وعليه فالمنجّزيّة ثابتة للعلم وهو الكاشف التامّ ولا يمكن ثبوتها لخبر الثقة بنفسه ؛ لأنّه كاشف ناقص ولا يمكن جعلها له مباشرة من الشارع ؛ لأنّها ليست بيد الشارع جعلا ورفعا ، إلا أنّ الشارع لمّا جعل الحجيّة لخبر الثقة وتمّم له الكشف الناقص وجعله تامّا وبيانا وكاشفا فهذا يعني أنّه اعتبره علما ، وحينئذ تثبت له المنجّزيّة ؛ لأنّه من شئون العلم سواء كان العلم حقيقيّا كالقطع أو كان العلم تعبّديا ومجعولا من الشارع كالأمارات.
فهذا الإشكال ينحلّ بأنّ المجعول في الحكم الظاهري هو جعل الكاشفيّة والطريقيّة والعلميّة ، وبأنّ هذا الجعل ليس حكما تكليفيّا بل هو حكم وضعي ، فالحكم الواقعي واحد لا يتغيّر ولا يتبدّل أبدا ، ولذلك لا تضادّ ولا تماثل لأنّه لا يوجد حكمان تكليفيّان.
والجواب على ذلك : أنّ التضادّ بين الحكمين التكليفيّين ليس بلحاظ اعتباريهما حتّى يندفع بمجرّد تغيير الاعتبار في الحكم الظاهري من اعتبار الحكم التكليفي إلى اعتبار العلميّة والطريقيّة ، بل بلحاظ مبادئ الحكم كما تقدّم في الحلقة السابقة (١).
إنّ الجواب المذكور من المحقّق النائيني قدسسره لا يحلّ مشكلة اجتماع المثلين أو الضدّين ؛ وذلك لأنّ التضادّ بين الأحكام التكليفيّة كالوجوب والحرمة ليس بلحاظ الاعتبار ليقال مثلا بأنّ الحرمة حكم واقعي تكليفي والوجوب حكم ظاهري وضعي بمعنى جعل العلميّة والكاشفيّة التامّة ؛ لما تقدّم من أنّ الاعتبار سهل المئونة ؛ إذ ليس هو إلاّ مجرّد صياغة إنشائيّة لمبادئ الأحكام بما تشتمل عليه من مصلحة أو مفسدة ومن محبوبيّة أو مبغوضيّة. فمجرّد تغيير الاعتبار في الحكم الظاهري من كونه تكليفيّا إلى كونه علما وطريقا لا يفيد في حلّ الإشكال ؛ لأنّه إنّما يتعرّض لعالم الاعتبار والذي لا تضادّ فيه بين الأحكام التكليفيّة. وإنّما التضادّ بين الحكمين التكليفيّين يتصوّر بلحاظ المبادئ ، بأن يكون واقعا يوجد ملاكان أحدهما المصلحة والمحبوبيّة والآخر المفسدة والمبغوضيّة للشيء الواحد ، فإنّ ثبوتهما معا محال ؛ لأنّهما متضادّان لا يعقل وجودهما في واقعة واحدة معا. فيبقى الإشكال المذكور على حاله ولذلك قال السيّد الشهيد :
__________________
(١) ضمن بحث ( الحكم الشرعي وأقسامه ) من مباحث التمهيد ، تحت عنوان : التضادّ بين الأحكام التكليفيّة.