فيكون حقّ الطاعة منصبّا على المقدّمة ابتداء وإن كان الشوق المولوي غير متعلّق بها إلا تبعا.
حاصل ما يمكن أن يقال في توضيح حقيقة العنصر الثالث المسمّى بالاعتبار في الغالب : إنّ المولى له حقّ الطاعة على عبيده في كلّ الأمور التي يريدها منهم ، وكذلك له الحقّ في تحديد مركز حقّ الطاعة وأنّه في هذا الشيء دون ذاك. فإنّ ذلك كلّه من شئون مولويّته التي يعملها كيفما شاء وحيثما شاء. وعليه ، فإذا أراد المولى شيئا من المكلّف ، بأن يكون حصل له ملاك وإرادة ومحبوبيّة وشوق لهذا الفعل مثلا كالصلاة ، فليس من الضروري إذا اكتملت مبادئ الحكم من ملاك وإرادة وشوق في هذا الفعل المراد أن يجعل المولى نفس ذلك الشيء الذي هو الصلاة في عهده المكلّف ، بحيث يكون مصبّ حقّ الطاعة هو نفس الصلاة بأن يقول : ( صلّ ) أو ( أقيموا الصلاة ) ، بل بالإمكان أن يجعل مصبّ حقّ الطاعة شيئا آخر غير نفس الشيء الذي أراده ، بأن يجعل مصبّ حقّ الطاعة على مقدّمة ذاك الفعل التي تؤدّي إليه دائما ولا تنفكّ عنه ، فيأمر بتلك المقدّمة على نحو الاستقلاليّة إثباتا وإن لم تكن مشتملة على مبادئ الحكم من ملاك وإرادة وشوق مولوي ، حيث إنّ هذه المبادئ متعلّقة بالفعل نفسه لا بمقدّمته.
وهذا معناه أنّ الشوق المولوي والإرادة قد تعلّقا بشيء وهو ذات الفعل كالصلاة ، بينما مصبّ حقّ الطاعة كان متعلّقا بشيء آخر مغاير لما يتعلّق به الشوق المولوي ، إلا أنّه توجد علاقة وارتباط بين هذا الشيء وبين مقدّمته بحيث إنّه يترتّب الفعل عليها دائما ولا يتخلّف عنها.
فلا فرق بين أن يكون مصبّ حقّ الطاعة على ذات الفعل الذي تعلّق به الشوق المولوي ابتداء وأصالة ، وبين أن يكون مصبّ حقّ الطاعة مقدّمة هذا الشيء الموصلة له دائما ، فيكون الشوق المولوي متعلّقا بها بالتبعيّة لذي المقدّمة. فالنتيجة في الحالين واحدة وهو أنّ الفعل المراد لا بدّ من امتثاله وتحقّقه من المكلّف.
وهذا يعني أنّ حقّ الطاعة ينصبّ على ما يحدّده المولى عند إرادته لشيء مصبّا له ويدخله في عهدة المكلّف ، والاعتبار هو الذي يستخدم عادة للكشف عن المصبّ الذي عيّنه المولى لحقّ الطاعة ، فقد يتّحد مع مصبّ إرادته وقد يتغاير.