انتزاعها هو العالم الخارجي التكويني المادي ، بينما جزئيّة السورة في المركّبات الشرعيّة وعاء واقعها ومنشأ انتزاعها هو عالم الجعل والاعتبار للأحكام الشرعيّة.
وعلى هذا فما دامت الجزئيّة من الأمور الانتزاعيّة الواقعيّة فلا يمكن إيجادها بالجعل الاستقلالي عن الأمر بالمركّب ، ولا يمكن أن يكون هناك تشريع أو اعتبار يثبت عنوان الجزئيّة بنحو مستقلّ عن الأمر بالمركّب ؛ وإلا لصارت من الأمور الاعتباريّة المحضة التي بيد الشارع جعلها ابتداء ، والمفروض أنّها من الأمور الانتزاعيّة التي لها واقع وراء انتزاعها ؛ وهو وعاء عالم الخارج التكويني أو عالم الجعل والاعتبار ، وعلى كلا الفرضين لا بدّ من فرض تحقّق المركّب أوّلا لينتزع منه الجزئيّة (١).
وأمّا القسم الأوّل فمقتضى وقوعه موضوعا للأحكام التكليفيّة عقلائيّا وشرعا هو كونه مجعولا بالاستقلال ، لا منتزعا عن الحكم التكليفي ؛ لأنّ موضوعيّته للحكم التكليفي تقتضي سبقه عليه رتبة ، مع أنّ انتزاعه يقتضي تأخّره عنه.
وأمّا القسم الأوّل من الأحكام الوضعيّة وهو ما كان واقعا موضوعا للحكم التكليفي كالملكيّة والزوجيّة ونحوهما ، فلا إشكال في كونه مجعولا بالجعل الاستقلالي وليس منتزعا عن الحكم الشرعي ، فهنا دعويان :
الأولى : كونه مجعولا بالاستقلال.
والثانية : كونه ليس منتزعا من الحكم الشرعي خلافا للشيخ الأنصاري. والدعوى الثانية متفرّعة عن الأولى ، وبرهانه : أنّ الملكيّة والزوجيّة من الأمور الاعتباريّة التي يعتبرها العرف والعقلاء عند حصول أحد أسبابها ، والشارع أمضى هذه الملكيّة والزوجيّة وليست من الأمور الانتزاعيّة لدى الشارع. نعم ، قد يفرض الشارع بعض الشروط أو القيود أو الخصوصيّات أو ينفي بعضها ، إلا أنّها ليست من الأمور الانتزاعيّة عن الحكم التكليفي. وإنّما هي تقع موضوعا للأحكام التكليفيّة ، بحيث يترتّب على ثبوت الملكيّة أو الزوجيّة بأحد أسبابهما بعض الأحكام التكليفيّة. وهذا معناه افتراض وجود هذه الأحكام الوضعيّة في مرتبة سابقة ومتقدّمة عن الأحكام التكليفيّة على أساس أنّ ما جعل موضوعا لشيء بمقتضى موضوعيّته كونه متقدّما
__________________
(١) هذا خلاصة الكلام في القسم الثاني وإن كان محلاّ للشكّ عند بعضهم كالسيّد الإمام رحمهالله حيث برهن على إمكان جعلها بالجعل الاستقلالي راجع الرسائل ج ١ ص ١١٦.