ولذلك عند ما يدور الأمر بين الأقلّ والأكثر يتعيّن بالإطلاق ومقدّمات الحكمة الأقلّ ؛ لأنّ الأكثر فيه مئونة زائدة ، والوجه في ذلك أنّ الخصوصيّة العدميّة أقلّ مئونة من الخصوصيّة الوجوديّة ؛ لأنّه يكفي في بيان الخصوصيّة العدميّة مجرّد السكوت عن بيان الأمر الوجودي ولو بالنظر التسامحي العرفي ، بينما لا يكفي بيان الخصوصيّة الوجودية إلا ذكر ما يدلّ عليها في الكلام.
ومقتضى هاتين المقدّمتين تعيّن الوجوب بالإطلاق.
والنتيجة حينئذ : هي أنّ الوجوب يتعيّن بالإطلاق ومقدّمات الحكمة ، وذلك بتطبيق هاتين المقدّمتين على مقامنا.
فنقول : إنّ الأمر بمادّته وهيئته يدلّ على الطلب ، وهو حيثيّة مشتركة بين الطلب الوجوبي والطلب الاستحبابي.
ثمّ إنّ الطلب الوجوبي يتميّز عن الطلب الاستحبابي بخصوصيّة عدميّة وهي عدم الترخيص في الترك.
بينما الطلب الاستحبابي يتميّز عن الطلب الوجوبي بخصوصيّة وجوديّة وهي الترخيص في الترك.
فإذا ورد أمر وتردّد بين الطلب الوجوبي وبين الطلب الاستحبابي تعيّن الطلب الوجوبي ؛ لأنّه كما تقدّم في المقدّمة الثانية أنّ ما يتميّز بخصوصيّة عدميّة أسهل وأخفّ مئونة وأقلّ خرقا للظهور العرفي من المتميّز بخصوصيّة وجوديّة عند عدم ذكر ما يدلّ على الخصوصيّة في كلّ منها ، فيكون مقتضى الإطلاق ومقدّمات الحكمة حمل الكلام على الأقلّ مئونة والأخفّ خرقا على أساس أنّ العرف يتسامحون في بيان الخصوصيّة العدميّة وينزّلون ما يتميّز بها منزلة الحيثيّة المشتركة ، فما يدلّ عليها يدلّ عليه أيضا مسامحة.
بينما في الخصوصيّة الوجوديّة لا يوجد تسامح عرفي من هذا القبيل ، بل عدم ذكر الخصوصيّة الوجوديّة ـ مع كونها مقصودة واقعا ـ مستهجن عرفا.
ويرد عليه : المنع من إطلاق المقدّمة الثانية ، فإنّه ليس كلّ أمر عدمي لا يلحظ أمرا زائدا عرفا ، ولهذا لا يرى في المقام أنّ النسبة عرفا بين الوجوب والاستحباب نسبة الأقلّ والأكثر ، بل النسبة بين مفهومين متباينين ، فلا موجب لتعيين أحدهما بالإطلاق.