مثال ذلك : أنّ اسم الجنس الخالي من القيد يدلّ على الإطلاق للتبادر ، فقولنا : ( أكرم العالم ) يتبادر أنّه مطلق العالم وليس مختصّا بفرد دون آخر ، وهذا نحسّ به وجدانا وهو معنى التبادر ؛ إذ هو عمليّة عفويّة ساذجة تحصل لكلّ من كان من أهل اللغة. بخلاف قولنا : ( أكرم العالم العادل ) فإنّه لا إشكال في دلالته على التقييد وإرادة بعض الأفراد من العالم لا جميع الأفراد.
إلا أنّ الكلام يقع في أنّ هذا الإطلاق المستفاد من اسم الجنس الخالي من القيد ما هو الملاك والسبب فيه؟ وهل الإطلاق مستفاد لأجل كونه موضوعا لغة ، أو لأجل حكم العقل بذلك ، أو لأجل تطبيق قرينة الحكمة؟
والجواب عن هذا السؤال لا يكفي فيه مجرّد التبادر الساذج ؛ لأنّه يعيّن المعنى فقط ولا يفيدنا في معرفة واستنتاج الملاك والمناط لهذا المعنى بذاك اللفظ.
ولذلك يكون البحث العلمي الأصولي هو الجواب عن هذا التساؤل ، والذي له ثمرة مهمّة في عمليّة الاستنباط بوصف اسم الجنس عنصرا عامّا مشتركا ، ودلالته على الإطلاق وضعا تختلف عنها عقلا أو بقرينة الحكمة.
وحينئذ لا بدّ من البحث العلمي ، وهو يستند على جمع عدد من الظواهر المختلفة التي ورد فيها اسم الجنس ليستكشف من خلالها ملاك دلالته على الإطلاق ؛ كما هو الحال في العلوم التجريبيّة حيث يتمّ تطبيق النظريّة المفروضة على عدد من الظواهر في أوضاع مختلفة زمانا ومكانا وظروفا ، فإن كانت النتيجة واحدة في الجميع كانت النظريّة صحيحة ، وإن اختلفت في مورد لم تكن صحيحة.
وهنا نجمع عددا من الظواهر التي ورد فيها اسم الجنس في مختلف الحالات فمثلا :
١ ـ استعمال اسم الجنس مع القيد هل يدلّ على المجازيّة أم لا؟
والجواب : أنّه لا يدلّ على المجاز ، فهذا دليل على أنّ اسم الجنس ليس موضوعا لغة للإطلاق ، وإلا لكان استعماله في غير معناه الذي وضع له مجازا.
٢ ـ استعمال اسم الجنس في مقام الإبهام والإجمال هل يدلّ على الإطلاق؟
والجواب : أنّه لا يدلّ على الإطلاق ، وهذا دليل على أنّ اسم الجنس في حالات الإجمال وعدم البيان لا يدلّ على الإطلاق.