العلم الإجمالي يرى وجودا للإباحة ولو احتمالا ، ولذلك فإلزامه بالتكليف قد يفوّت ملاكات الإباحة فالترخيص الجادّ الناشئ لأجل الحفاظ على ملاكات الإباحة يراه جدّيّا ؛ لأنّ ملاكات الإباحة محتملة عنده.
وبتعبير آخر : أنّ موارد التزاحم الحفظي متصوّرة هنا ؛ لأنّ القاطع إجمالا يحتمل الإباحة مضافا إلى التكليف ، ولذلك يكون موضوع التزاحم موجودا فلا مانع من صدور الترخيص كما لا مانع من صدور الإلزام ظاهرا.
ويبقى بعد ذلك سؤال إثباتي وهو : هل ورد الترخيص في المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي؟ وهل يمكن إثبات ذلك بإطلاق أدلّة الأصول؟
كان الكلام في المرحلة الثبوتيّة وقلنا : إنّه يعقل ورود الترخيص الظاهري في موارد العلم الإجمالي.
وأمّا المرحلة الإثباتيّة ، فهل يمكن إثبات أنّ هذا الترخيص قد ورد فعلا؟ أو هل يمكن إثبات الترخيص من خلال التمسّك بإطلاق أدلّة الأصول العمليّة الترخيصيّة كالبراءة والإباحة؟
فهل هناك دليل مستقلّ يدلّ على الترخيص في موارد العلم الإجمالي؟ أو أنّ دليل البراءة يشمل باطلاقه موارد العلم الإجمالي وغيره أيضا؟
والجواب : هو النفي ؛ لأنّ ذلك يعني افتراض أهميّة الغرض الترخيصي من الغرض الإلزامي حتّى في حالة العلم بالإلزام ووصوله إجمالا أو مساواته له على الأقلّ ، وهو وإن كان افتراضا معقولا ثبوتا ولكنّه على خلاف الارتكاز العقلائي ؛ لأنّ الغالب في الأغراض العقلائيّة عدم بلوغ الأغراض الترخيصيّة إلى تلك المرتبة ، وهذا الارتكاز بنفسه يكون قرينة لبّيّة متّصلة على تقييد إطلاق أدلّة الأصول.
وبذلك نثبت حرمة المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي عقلا.
والجواب : هو النفي ؛ لأنّه لا يوجد إثباتا دليل مستقلّ على ورود الترخيص في موارد العلم الإجمالي بالخصوص ، ولا يمكن التمسّك بإطلاق أدلّة الأصول الترخيصيّة لموارد العلم الإجمالي أيضا ؛ لأنّها مقيّدة.
وتوضيح ذلك : إنّ ورود الترخيص الظاهري وإن كان ممكنا ثبوتا ولا مانع منه عقلا ولا استحالة فيه ، إلا أنّه يعني أنّ الملاكات الواقعة للإباحة الاقتضائيّة هي الأهمّ