وعلى الثاني لا اشكال انّ الشارع أيضاً سوف يدرك ما يدركه العقل من الحسن والقبح فيكون كل ما أدركه العقل مما يدركه الشارع أيضاً إلاّ انّه لا يستلزم ذلك الحكم الشرعي إذ لا موجب لتوهم انّ نفس ادراك الحسن والقبح يكون حكماً وتشريعاً من قبل الشارع كما انّه لا يلزم عليه أن يشرع على طبقه تكليفاً ، فلعله يكتفى بحكم العقل وادراكه وامّا على الثالث فحيث انّ الشارع أيضاً يكون مدركاً لحكم العقل ويكون المراد منه الشوق والميل فقد يقال بأنّ الملازمة ثابتة ، إذ معنى ذلك ميل الشارع والرغبة نحو الفعل أو الترك وهذا هو روح الحكم وجوهره ولكن هذا بحسب الحقيقة مبني على تشخيص حقيقة الحكم الشرعي ، فإنّه إذا كان مجرد القبح والحسن والشوق والبغض لدى الشارع وهي من مبادئ الحكم كافياً لدى العقل في وجوب الاطاعة كانت الملازمة متحققة هنا لا محالة ، وأمّا إذا كان الحكم بمعنى التشريع متقوماً بالتصدي المولوي لتسجيل الفعل أو الترك على ذمة العبد زائداً على مبادئ الحكم كما هو الصحيح بحيث يكون في طول ذلك اطاعة وعصيان وانقياد وتمرّد على ذلك التصدي المولوي فلا ملازمة بين حكم العقل وحكم الشارع كما هو واضح.
وامّا اشكال الاستحالة بملاك اللغوية في مقام الامتثال والمحركية فكما اجيب عليه في الكتاب من أنّ التحريك بملاك عدم هتك المولى والتمرد عليه غير التحريك بالملاك الأولي المدرك حسنه أو قبحه عقلاً.
وأمّا البحث عن امكان تطبيق تلك الكبرى في باب التجرّي فقد ذكر للمنع محاولات ثلاث ، وهذه المحاولات جميعاً تثبت استحالة جعل الحرمة شرعاً للتجري في عرض جعل الحرمة الواقعية ، سواء أثبتنا ذلك بقانون الملازمة أم بغير ذلك ، فلا تختص بهذا الدليل على حرمة التجري بالخصوص.