لا مجرد أن يكون مطابقاً للواقع بحسب نظر القاطع وإلاّ كان كل قطع برهانياً ، ومجرد كون القياس على تقدير عدم الخطأ في التطبيق مضمون الحقانية لا يكفي لكون النتيجة كذلك طالما هناك عنصر ثالث في الاستدلال وهو التطبيق لكبريات القياس وأشكاله ، وهل هذا إلاّ أن يقال في المحسوسات أيضاً بأنّه لو لم يخطأ في التطبيق فالنتيجة مضمون الحقانية لاستحالة التناقض مثلاً بين الموجبة الكلية المستقرئة والسالبة الجزئية ، وهي قضية بديهية فتكون قصة البرهان وكونه مضمون الحقانية كلاماً صورياً لا يرجع إلى محصل ، لأنّه يشبه قولنا : انّ كل يقين لم يخطأ فيه المستدل وكان مطابقاً للواقع فلا خطأ فيه!!
وثانياً ـ حيث انّ تطبيق قضايا المنطق وأشكالها الصورية بحسب الوجدان العقلي من الامور المحسوسة لدى الوجدان العقلي بالذات لا بالعرض فتكون كالعلوم الحضورية يقل فيها الخطأ أو ينبغي أن ينتفي بمجرد الالتفات والتروّي ، فمع كون العنصرين الآخرين ـ مواد القضايا وكبريات المنطق ـ بديهيين أيضاً كيف حصل كثرة الخطأ في البراهين العقلية بحيث أصبح أكثر من الامور الحسية الخارجية المدركة بالعرض؟ وهذا بنفسه يكشف عن خلل في هذا الطرز من التفكير المنطقي.
وأمّا البحث مع المنطق الارسطي فمجمله بالنحو المناسب للمقام أنّ المنطق الأرسطي يقسّم المعارف البشرية إلى قائمتين :
١ ـ القضايا اليقينية البديهية وهي التي يدركها العقل ويصدق بها قبل الاستدلال بتمام أشكاله ، ومن هنا تكون أولية ، أي مدركة قبل الاستدلال أو الاستقراء ، وقد تسمى بالمدركات العقلية الأولية ، أي بلا استدلال أو مع استدلال واضح بديهي للكل ، ويسمّى العقل المدرك لها بالعقل الأوّل.