ملاحظتان وردّ
الملاحظة الأولى : هنا قد ترد علينا ملاحظة مفادها : أنّه إذا كان الدين الحق هو التوجه إلى الله وحده ، وهو دين الإسلام ، وأن مقتضى الفطرة يؤكّده ، ـ أي إن الفطرة هي الإسلام ـ ألا ترون أنّ هذا الكمّ الغفير من البشرية على مرور الأيام ، والتي قضت حياتها تعبد الأصنام والكواكب والمظاهر الطبيعية وحتّى الأشخاص ، يسيرون على غير الفطرة ، بينما ذكرتم بأن الدين بصورته الشمولية الكلية هو أمر فطري ، ألا يوجد تعارض ومنافاة ما بين كون الدين الحقّ هو الفطرة ، وكون مطلق الدين ـ الذي فيه الشرك أيضاً ـ من الفطرة أيضاً ؟!.
ويمكن أن نجيب على هذه الملاحظة ، من خلال البيان التالي :
لا ريب أن الذي بيناه سابقاً كان منصباً نحو نقطة جوهرية ، وهي : كون التوجه إلى الله ـ القوة الأزلية ـ الذي هو من الغيب الخارج عن نطاق الحسّ هو أمر فطري ، ولكن الإنسان تختلط عليه الأُمور ، ويدور في دوامة الأفكار ، فيضلّ طريقه في خضمّ البحث عن الله تعالى لأسباب كثيرة ؛ أهمها الغفلة ، والشبهة ، والفطرة لا تتنافى معهما . بل الذي ينافيهما في الواقع إنّما هو البغي والجحود ، الذي هو انحراف عن الصراط المستقيم ، وقد عبرّ القرآن عن هؤلاء الذين اختلط عليهم الأمر ولم يكن لهم مُوضّح أو مرشد ، بأنّهم مستضعفون لا يملكون حيلة ، قال تعالى : ( إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا