ثمّ كنت ، وقد علمت أنك لم تكوّن نفسك ، ولا كوّنك من هو مثلك » (١).
ثانياً ـ قانون الغائية : وموجبه أنّ كلّ نظام مركّب متناسق مستقرّ ، لا يمكن أن يحدث من غير قصد ، وأن كلّ قصد لا بدّ أن يهدف إلى غاية ، وأنّ هذه الغاية إذا لم تحقّق إلاّ مطلباً جزئياً إضافياً منقطعاً ، تشوّقت النفس من ورائها إلى غاية أُخرى ، حتّى تنتهي إلى غاية كلية ثابتة ، هي غاية الغايات ، وذلك لأنّ الإنسان ما انفكّ يوماً عن السؤال عن ثلاثة أشياء ، أرّقت مضجعه ، وحيّرت عقله ، وجعلته في فكر دائم وهي : إنّه من أين أتى ؟ وإلى أين هو قاصد ؟ ولماذا خُلِق ؟
أترى أن هذا الإنسان يعيش في هذه الحياة بلا غاية ولا هدف يسير نحوه وإليه ؟ أتراه قائماً على وجه يتخبّط في سير حياته ، لا يدري إلى أين يريد ، ولماذا وجد ، ولماذا يموت ؟!
إنّ من السخف أن يفكر الإنسان بأنّ وجوده عبث ؛ لأنّه بذلك يسلب إنسانيته وفكره وحضارته ، وكلّ نتاج بشري في جميع الأصعدة ، فلا تستقيم حكمة الوجود إلاّ بضرورة وجود غاية لهذا الوجود ، وهنا يبحث هذا الإنسان عن الغاية.
ولكن ربما أخطأ الإنسان في معرفة تلك الغاية ، فتصوّر أن الخالق هو ذلك الصنم الذي يرمز إلى قوة خفية ، أو أن الخالق هو الشمس أو القمر أو النجوم أو غيرها ، ولكن الذي ينبغي قوله : إن الإنسان لا يصل إلى هذه المراحل الخسيسة إلاّ بعد أن يعجز ـ بحكم أشياء عديدة ـ عن الوصول إلى الحقيقة ، لذلك نراه يتعلق بهذه الأشياء ليسدّ هذا الفراغ والحاجة النفسية
__________________
(١) نوادر الأخبار / الفيض الكاشاني : ٦٧.