أننا نرى أن أُناساً هدفهم في الحياة هو جمع المال فيعيشون لذلك الهدف ، وآخرين هدفهم هو الوصول إلى المقامات الاجتماعية والسياسية بل والعلمية إلى غير ذلك . والمدهش حقاً أن هؤلاء رغم كونهم قد يصلون إلى ما يطمحون إليه إلاّ أنّهم يبقون يتلهفون إلى عالم أسمى ، لأن الإنسان وإن حقق حلمه وهدفه في هذه الدنيا وفي محيطها ، إلاّ أنّه يدرك بعد ذلك أنّه كان على خطأ ، وأن السعادة والغاية ليست هذه الدنيا التي حصل عليها ، لذلك نجد أنّ الذين يسعون جاهدين لتحقيق مثل هكذا أهداف ، بمجرد أن ينالوها فإنهم يملّون منها بسرعة ويبدأون بحثاً جديداً ، ومشواراً آخر ، وسبب ذلك أنهم لم يجدوا الكمال الذي تطلبه نفوسهم في تلك الأشياء التي حققوها.
هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى ، فإن الإنسان بما أتاه الله تعالى من قدرات وفكر ، يرى أنّ عمره قصير ومتعته محدودة ، وأهدافه الكثيرة لا يمكن أن يحققها في هذه النشأة ، فلا بد ـ بمقتضى فطرته ـ أن يبحث عن حياة أُخرى ، وعالم آخر مختلف عن هذا العالم ، يكون فيه سعيداً ، أو على الأقلّ لا ينتاب حياته الألم ، ولا تعكّر صفو وجوده الصدمات وفقد الأعزة والأحبة ، فيه يأخذ المظلوم حقه من الظالم ، وتتحقق العدالة الّتي لا يمكن أن تتحقق في هذا العالم الذي تحكمه النفوس الشريرة ، كل ذلك دفعه بقوة إلى ذلك العالم الغيبي ، فيدرك أن تلك القدرة التي أوجدته من العدم ، هي وحدها التي تستطيع أن تحقّق له ذلك الكمال المنشود.
ثمّ إنّه لعلّ البراهين العقلية التي يقضي بها العقل من الأمور الفطرية ، لذا صح أن نقول أن كل ما قضى به العقل قضت به الفطرة أيضاً ، وبما أن