فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ ولم يسلّم على الحسين!
ثمّ ناول الحرّ كتابا من عبيد الله بن زياد فقرأه ، فإذا فيه :
« أمّا بعد ، فجعجع (١) بالحسين بن علي وأصحابه بالمكان الذي يوافيك كتابي ، ولا تحلّه إلاّ بالعراء على غير خمر (٢) ولا ماء ، وقد أمرت حامل كتابي هذا أن يخبرني بما يكون منك في ذلك ، والسلام ».
فقرأ الحرّ الكتاب ثمّ ناوله الحسين وقال : لا بدّ من انفاذ أمر الأمير عبيد الله بن زياد ، فانزل بهذا المكان ، ولا تجعل للأمير عليّ علة.
فقال الحسين ـ عليهالسلام ـ : تقدّم بنا قليلا إلى هذه القرية التي هي منّا [ ٧٢ ـ ب ] على غلوة وهي « الغاضريّة » (٣) أو هذه الأخرى التي تسمى « السبقة » فننزل في إحداهما؟
قال الحرّ : إنّ الأمير كتب إليّ أن احلّك على غير ماء! ولا بدّ من الانتهاء إلى أمره.
فقال زهير بن القين للحسين : بأبي وأمي يا ابن رسول الله! والله لو لم يأتنا غير هؤلاء لكان لنا فيهم كفاية ، فكيف بمن سيأتينا [ من غيرهم ] ، فهلمّ بنا نناجز هؤلاء ، فإنّ [ قتل ] هؤلاء أيسر علينا من قتال من يأتينا من غيرهم.
قال الحسين ـ عليهالسلام ـ فإنّي أكره أن أبدأهم بقتال حتّى يبدءونا (٤).
__________________
معجم البلدان : ٥ / ٣٣٩.
(١) قال ابن الأثير في النهاية : ١ / ٢٧٥.
ومنه كتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد « أن جعجع بحسين وأصحابه » أي : ضيّق عليهم المكان.
وقال جار الله الزمخشري :
جعجع بالحسين : أي أنزله بجعجاع ، وهو المكان الخشن الغليظ ، وهذا تمثيل لإلجائه إلى خطب شاقّ وإرهاقه. الفائق في غريب الحديث : ١ / ٢١٨.
(٢) أي : شجر وظلّ.
(٣) الغاضرية : منسوبة إلى غاضرة من بني أسد ، وهي قرية من نواحي الكوفة قريب من كربلاء. معجم البلدان : ٤ / ١٨٣.
(٤) في « س » : يبدءوا.