مخالفة للفائدة في وصفه بأنه رسول جاز أن يذكرهما فإن قيل فما المراد بقوله ( إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) وكيف يصحّ ذلك على الانبياء؟ وجوابنا أن المراد إذا تلا القرآن يلحقه السهو في قراءته وذلك معروف في اللغة فلذلك قال بعده ( فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ ) ولو كان المراد غير ما ذكرناه من التلاوة لم يصح ذلك فامّا ما يرويه الحشوية من أنه صلّى الله عليه وسلم ذكر في قراءته أصنامهم وقال إن الغرانيق العلا شفاعتهن ترجى حتى فرح الكفار فلا أصل له ومثل ذلك لا يكون إلا من دسائس الملحدة فبيّن تعالى بذلك أن السهو في القراءة جائز على النبي صلّى الله عليه وسلم وأنه من يعد يبيّن الفضل من السهو ويبيّن الصحيح منه ولذلك قال بعده ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) وقال بعده ( وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ).
[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى ( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ) كيف يصح ذلك والملك في كل حال لله عز وجل؟ وجوابنا أن المراد أنه في دار الدنيا ملك كثيرا من الناس الامور وفي الآخرة لا حاكم سواه البتة ولذلك يحكم بينهم.
[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى ( وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ ) كيف يصح هذا الجواب وهو تعالى عالم بكل شيء؟ وجوابنا أن ذلك تحذير من مجادلتهم فحذّرهم بذلك بعد البيان ولذلك قال قبله ( فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ ) ثمّ قال ( وَإِنْ جادَلُوكَ ) فاذا تقدم البيان جاز من الرسول صلّى الله عليه وسلم الاقتصار على هذا الجنس من التحذير ولذلك قال بعده ( فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) وبيّن تعالى أنه عالم بكل شيء فقال ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) وبين أيضا أن ما علمه من الامور التي تحدث قد كتبه ليستدل بها