( سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً ) يدل على قوة عزمه على الصبر ثمّ قال بعده ( فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ) ويحتمل أن يكون المراد بقوله تعالى ( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) ان ذلك يثقل عليه فقد يقال إن فلانا لا يقدر على سماع كلام فلان وأراد أنه يثقل عليه.
[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى ( قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) عند خرق السفينة وقتل الغلام أليس ذلك يدل على أن القدرة مع الفعل فنفي استطاعته عن الصبر لما لم يصبر. وجوابنا ان المراد ليس هو الاستطاعة التي هي القدرة بل المراد ثقل ذلك عليه لما رأى الامر العجيب ولم يعرف تأويله ووجه الحكمة فيه فلذلك قال تعالى ( سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ) فبين انه انما لم يستطع الصبر لأنه لم يعرف تأويله ولو عرفه كان يستطيع وهذه الاستطاعة هي بمعنى ما يثقل على المرء ويخفف.
[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها ) ثمّ قال تعالى ( وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ) فانه اذا كان يأخذ كل سفينة فكيف يصح أن يقول ذلك. وجوابنا ان المراد يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا وذلك ما يعقل من الكلام بقوله تعالى ( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها ) لانه نبه بذلك على ان ذلك الملك كان ينصرف عن أخذ المعيب من السفن الى أخذ الصحيح فاما قوله جل وعز ( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً ) فان من تدبر يعرف به حكمة الله تعالى وعدله وأنه يفعل بالمكلف أقرب الأشياء الى طاعته وانه تعالى ينفي
تنزيه القرآن (١٦)