وكيف قال تعالى ( كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) وأخذه على هذا الوجه معصية لا يجوز أن يشاءه الله فكيف يصح ذلك. وجوابنا أن المراد مشيئة حصوله هناك حتى يصح أخذه لأنّ كل ذلك مما يجوز أن يشاءه الله ولذلك قال بعده ( نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ ). فان قيل كيف يصح أن يقول يعقوب صلّى الله عليه وسلم ( إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ ) فيضيف اليهم التنفيذ والذم له وكيف جاز أن يقولوا له ( إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ) فينسبون الضلال اليه. وجوابنا أنه لا يمتنع أن يجد ريح يوسف وأمارات حياته وأن يكون الله تعالى قوي ذلك لما أراده من اجتماعهم وأما الضلال في اللغة فهو الذهاب عن الشيء الذي فيه نفع فأرادوا بقولهم إنك لفي ضلالك القديم انك تجري على عادتك في العدول عما ينفعك ومثل ذلك قد يجوز أن يقال للانبياء فيما يتعلق بأمور الدنيا فان قيل كيف يعود بصيرا بالقاء القميص اليه قيل له أنه نبي وفي أيام الانبياء قد يصح ظهور ما يخرج عن العادة فان لم يكن من معجزات يعقوب فهو من معجزات يوسف فلا سؤال في ذلك. واختلفوا فقال بعضهم كان بصره قد ضعف لا أنه قد زال ومثل ذلك كالمعتاد اذا كان المرء شديد الخوف ثمّ يعود له الفرج والسرور فتعود قوة بصره ومنهم من قال بل كان بصره قد زال على ما يدل الظاهر عليه فيكون الجواب ما تقدم. فان قيل كيف قال وقد عاد بصره ( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) أو ليس ذلك يدل على أنه كان عالما بحياة يوسف. وجوابنا انه لا يمتنع أن يكون عالما بذلك من جهة الوحي ولا يمتنع أن يكون ظانا لذلك لعلامات وأمارات واذا علم فقد يجوز أن يكون عالما بشرط لا يحل معه القطع ويجوز خلافه وأحواله كانت تدل على أنه لم يكن قاطعا على موته ولا يمتنع أن يكون قد أوحي اليه بما يدل على عوده اليه آخرا. فان قيل كيف يجوز أن يقولوا ( يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا ) وهذا كلام معتذر تائب فيكون جوابه ( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) فلم يقبل عذرهم