كيف يصح ذلك مع حكمته. وجوابنا أنه تعالى لما خلاهم ونفاقهم ولم يلطف بهم من حيث كان المعلوم أنه لا لطف لهم لتقدم النفاق فيهم جاز أن يضيف ذلك إلى نفسه وذلك قوله ( أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ ) والمراد به التخلية ولذلك قال تعالى بعده ( بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ ) فبين أن المراد هو ذلك لا أنه خلق فيهم النفاق وقال تعالى بعده ( وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ) وكل ذلك لا يليق الا بزجرهم عن النفاق ولو كان هو الخالق لذلك فيهم لما صح ولذلك قال تعالى بعده ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) فبين أن استغفاره لا يؤثر وكذلك سائر الالطاف ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ ) لان تقدم ايمانهم صير ما يفعله لطفا لهم فاذا لم يتقدم حرموا أنفسهم ذلك وخرجوا بسوء اختيارهم عن أن يتأتى فيهم اللطف فيكون ذلك كالجناية منهم على أنفسهم وهو معنى قوله تعالى ( كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) ويقال ان المعاصي اذا اجتمعت وكثرت بلغ القلب في القسوة ما لا تؤثر فيه الالطاف.
[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى ( الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً ) كيف يصح مع ذلك أن يقول ( وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) وذلك كالمتناقض. وجوابنا أن الكلام اذا اتصل دل آخره على أوّله فالمراد بذلك البعض ويحتمل أن يراد بالاعراب من امتنع عن المهاجرة فقد كان يقال مهاجر واعرابي. وبين ذلك قوله تعالى ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ) فميزهم من الأعراب الذين أرادهم بهذه الآية.