أكلت كل شيء يريد مما صح كونه مأكولا فلا يدل على ما قالوه وقد أجيب عنه بأن المراد التكثير والمبالغة لا أنه عموم في الحقيقة كقوله تعالى ( يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ ) وقوله ( وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) وذلك مذهب العرب في المبالغة وبين ذلك قوله ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) فبيّن حسن ما خلق فلا يصح أن يضاف اليه شيء من القبائح وقيل أيضا ان المراد قدر الأشياء لا أنه أوجدها وأحدثها فما هو من فعله قد قدره وما ليس من فعله قدره أيضا بأن بيّن أحواله وذلك كقوله تعالى ( إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ ) والمراد الأخبار عن حالها ، فأما دلالة قوله عز وجل ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) على أنه تعالى لا يجوز أن يرى بالأبصار فبيّن وذلك مشروح في الكتب وأما قوله تعالى ( وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) فالمراد به لطيف الفعال لان اللطف عليه في ذاته يستحيل كما يستحيل عليه الصغر تعالى الله عن ذلك ، وقوله تعالى من بعد ( وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا ) فالمراد به لو شاء أن يمنعهم ويحول بينهم وبين الاختيار لما وقع الشرك منهم ويحتمل ولو شاء ان يلجئهم الى خلاف الشرك لما أشركوا ومن عظيم آداب القرآن قوله تعالى ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) فنهاهم عن سب آلهتهم لئلا يقع منهم ذكره تعالى بما لا يليق به على وجه المقابلة لأن من ظن أنه اذا سب آلهتهم وقع منهم ذلك يكون قد أغراهم بهذه المعصية.
[ مسألة ] وربما قالوا في قوله تعالى ( كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ) أليس ذلك يدل على انه تعالى قد زين عمل الكفار والعصاة وذلك بخلاف قولكم وقول المسلمين. وجوابنا ان المراد به ما ألزمهم تعالى من العمل وشرعه لهم وليس المراد ما وقع منهم وعلى هذا الوجه يقول الوالد للولد قد زينت لك العمل الذي رسمته لك فخالفتني فيسمى ما لم يقع منه عملا من حيث الامر والالزام وبين ذلك قوله تعالى من بعد ( ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ