وقالوا : طب نفسا فإنّا نجتمع معهم في الطريق إذا خرجوا ، ونصنع بهم أعظم ممّا صنعوا.
فلمّا جنّ الليل ، أدركتني السعادة ، فقلت في نفسي ، إنّ هؤلاء الرفضة لا يرجعون عن دينهم ، بل غيرهم إذا زهد يرجع إليهم ، فما ذلك إلاّ لأنّ الحقّ معهم فبقيت مفكّرا في ذلك ، وسألت ربّي بنبيّه محمّد صلىاللهعليهوآله أن يريني في ليلتي علامة أستدلّ بها على الحقّ الذي فرضه الله تعالى على عباده.
فأخذني النوم فإذا أنا بالجنّة قد زخرفت ، فإذا فيها أشجار عظيمة ، مختلفة الألوان والثمار ، ليست مثل أشجار الدنيا ، لأنّ أغصانها مدلاّة ، وعروقها إلى فوق ، ورأيت أربعة أنهار : من خمر ، ولبن ، وعسل ، وماء ؛ وهي تجري وليس لها جرف (١) بحيث لو أرادت النملة أن تشرب منها لشربت ، ورأيت نساء حسنة الأشكال ورأيت قوما يأكلون من تلك الثمار ، ويشربون من تلك الأنهار ، وأنا لا أقدر على ذلك ، فكلّما أردت أن أتناول من الثمار ، تصعّد إلى فوق ، وكلّما هممت أن أشرب من تلك الأنهار ، تغوّر إلى تحت فقلت للقوم : ما بالكم تأكلون وتشربون؟ وأنا لا اطيق ذلك؟ فقالوا : إنّك لا تأتي إلينا بعد.
فبينا أنا كذلك وإذا بفوج عظيم ، فقلت : ما الخبر؟ فقالوا : سيّدنا فاطمة الزهراء عليهاالسلام قد أقبلت ، فنظرت فإذا بأفواج من الملائكة على أحسن هيئة ، ينزلون من الهواء إلى الأرض ، وهم حافّون بها ، فلمّا دنت وإذا بالفارس الذي قد خلّصنا
__________________
(١) الجرف بالضم وبضمّتين ما تجرفته السيول ، وأكلته من الأرض ، ومنه المثل « فلان يبني على جرف هار ، لا يدري ما ليل من نهار » وجمعه أجرف ، ويقال للجانب الذي أكله الماء من حاشية النهر أيضا ، أو هو بضمّتين ، فكأنّه أراد أن تلك الأنهار كان لها جداول مستوية وكانت المياه تجري فيها مملوءة ، بحيث لو أرادت النملة أن تشرب منها لشربت ، ولم تقع فيها.