ودخل لساني في فمي
، وذهب ما بي ، وعدت كما كنت أوّلا.
فقال : قم وائتني
بحنظلة من هذا الحنظل وكان في الوادي حنظل كثير فأتيته بحنظلة كبيرة فقسّمها نصفين
، وناولنيها وقال : كلّ منها فأخذتها منه ، ولم اقدم على مخالفته وعندي أمرني أن آكل الصبر لما أعهد من مرارة الحنظل ، فلمّا ذقتها فإذا هي أحلى من
العسل ، وأبرد من الثلج ، وأطيب ريحا من المسك شبعت ورويت.
ثمّ قال لي : ادع
صاحبك ، فدعوته ، فقال بلسان مكسور ضعيف : لا أقدر على الحركة ، فقال له : قم لا
بأس عليك فأقبل إليه حبوا وفعل معه كما فعل معي ثمّ نهض ليركب ، فقلنا بالله عليك
يا سيّدنا إلاّ ما أتممت علينا نعمتك ، وأوصلتنا إلى أهلنا ، فقال : لا تعجلوا
وخطّ حولنا برمحه خطّة ، وذهب هو وصاحبه فقلت لصاحبي : قم بنا حتّى نقف بازاء
الجبل ونقع على الطريق ، فقمنا وسرنا وإذا بحائط في وجوهنا فأخذنا في غير تلك
الجهة فإذا بحائط آخر ، وهكذا من أربع جوانبنا.
فجلسنا وجعلنا
نبكي على أنفسنا ثمّ قلت لصاحبي : ائتنا من هذا الحنظل لنأكله ، فأتى به فإذا هو
أمر من كلّ شيء ، وأقبح ، فرمينا به ، ثمّ لبثنا هنيئة وإذا قد استدار من الوحش ما
لا يعلم إلاّ الله عدده ، وكلّما أرادوا القرب منّا منعهم ذلك الحائط ، فإذا ذهبوا
زال الحائط ، وإذا عادوا عاد.
قال : فبتنا تلك
الليلة آمنين حتّى أصبحنا ، وطلعت الشمس واشتدّ الحرّ وأخذنا العطش فجزعنا أشدّ
الجزع ، وإذا بالفارسين قد أقبلا وفعلا كما فعلا بالأمس ، فلمّا أرادا مفارقتنا
قلنا له : بالله عليك إلاّ أوصلتنا إلى أهلنا ، فقال : ابشرا فسيأتيكما من يوصلكما
إلى أهليكما ثمّ غابا.
__________________