رجع إلى مكانه من قول أو فعل فقد فاء مثل قول الله عزوجل (للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة اشهر فان فاؤوا فان الله غفور رحيم) (١) اي رجعوا ، ثم قال : (وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم) (٢) وقال : (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصحلوا بينهما فان بغت احديهما على الآخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى امر الله) أي ترجع (فان فاءت) اي رجعت : (فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين) (٣) يعني بقوله تفئ ترجع فدل الدليل على ان الفئ كل راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه ، ويقال للشمس إذا زالت فاءت الشمس حين يفئ الفئ وذلك عند رجوع الشمس إلى زوالها ، وكذلك ما افاء الله على المؤمنين من الكفار فانما هي حقوق المؤمنين رجعت إليهم بعد ظلم الكفار اياهم فكذلك قوله : (اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا) ما كان المؤمنون احق به منهم وانما اذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الايمان التي وصفناها ، وذلك انه لا يكون مأذونا له في القتال حتى يكون مظلوما ، ولا يكون مظلوما حتى يكون مؤمنا ، ولا يكون مؤمنا حتى يكون قائما بشرائط الايمان التي شرطها الله على المؤمنين والمجاهدين ، فإذا تكاملت فيه شرائط الله عزوجل كان مؤمنا ، فإذا كان مؤمنا كان مظلوما ، وإذا كان مظلوما كان مأذونا له في الجهاد لقوله عزوجل : (اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) فان لم يكن مستكملا لشرائط الايمان فهو ظالم ممن ينبغي (٤) ويجب جهاده حتى يتوب ، وليس مثله مأذونا له في الجهاد والدعاء إلى الله عزوجل ، لانه ليس من المؤمنين المظلومين الذين اذن الله لهم في القرآن بالقتال ، فلما نزلت هذه الآية (اذن للذين يقاتلون بانهم
__________________
(١) سورة البقرة الآية : ٢٢٦
(٢) سورة البقرة الآية : ٢٢٧
(٣) سورة الحجرات الآية : ٩
(٤) نسخة (يبغي)