والأسى على فراقه عن مسألتي ذلك ، فلمّا خرجت من بين يديه صاح بي : « يا ريّان ، ارجع » ، فرجعت ، فقال لي : « أما تحبّ أن أدفع إليك قميصا من ثياب جسدي تكفّن فيه إذا أفنى أجلك؟ أو ما تحبّ أن أدفع إليك دراهم تصوغ بها لبناتك خواتيم؟ » فقلت : يا سيّدي ، قد كان في نفسي أن أسألك ذلك فمنعني الغمّ بفراقك ، فرفع عليهالسلام الوسادة وأخرج قميصا فدفعه إليّ ، ورفع جانب المصلّى فأخرج دراهم فدفعها إليّ فعددتها فكانت ثلاثين درهما (١).
ومنها : ما روي أنّه لمّا جعل عليهالسلام وليّ العهد ، فحبس المطر مدّة ، وقيل : إنّ ذلك باعتبار أنه جعل وليّ العهد ، فاستدعي منه عليهالسلام الدعاء لنزول المطر ، ودعا يوم الاثنين وجاءت عشر سحابات وعبرت ويقول عليهالسلام في كلّ واحد : « ليست هذه لكم إنّما هي لأهل بلد كذا » ، ثمّ أقبلت سحابة حادية عشرة ، فقال : « هذا لكم فاشكروا الله عزّ وجلّ على تفضّله عليكم » ، ثمّ جاءت بوابل المطر فملأت الأودية والحياض والغدران فتكلّم حسّاده عليهالسلام فيه ، وطعنوا المأمون بفعله ، وجعله وليّ عهده ، وقالوا : إنّك أخرجت الخلافة وهذا الشرف من بني العبّاس إلى بني فاطمة عليهاالسلام وأنّه ساحر ولد السحرة.
فقال ـ عليه اللعنة ـ مجيبا : قد كان هذا الرجل مستترا يدعو إلى نفسه ، فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه لنا ، وليعترف بالملك والخلافة لنا ، وقد خشينا أن تركناه على تلك الحال أن ينفتق علينا منه ما لا نسدّه ، ويأتي علينا منه ما لا نطيقه ، والآن فإذ قد فعلنا به ما فعلنا وأخطأنا في أمره بما أخطأنا وأشرفنا من الهلاك على ما أشرفنا ، فليس يجوز التهاون في أمره ، ولكنّا نحتاج أن نضع منه قليلا قليلا حتّى نصوّره عند الرعيّة بصورة من لا يستحقّ لهذا الأمر ، ثمّ ندبّر فيه بما يحسم عنّا موادّ بلائه.
__________________
(١) المصدر السابق : ٣٥ ـ ٣٦ ، ح ١٦ ، نقلا عن « عيون أخبار الرضا » ٢ : ٢٢٩ ، ح ١٧.