قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، وعلى رأسه فرق بين وفرتين كأنّه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمّانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركّبة عليها قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا عليهالسلام يدحرج الرمّانة بين يديه ويشغله بردّها لئلاّ يصدّه عن كتابة ما أراد.
فسلّمنا عليه فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس ، فلمّا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيئ كسائه فوضعه بين يديه ، فنظر الهادي عليهالسلام إلى الغلام وقال له : « يا بنيّ ، فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك ».
فقال : يا مولاي ، أيجوز أن أمدّ يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟
فقال مولاي عليهالسلام : « يا ابن إسحاق ، استخرج ما في الجراب ليميّز [ ما ] بين الأحلّ والأحرم منها ».
فأوّل صرّة بدأ بإخراجها فقال الغلام : « هذه لفلان بن فلان من محلّة كذا بقم ، تشتمل على اثنين وستّين دينارا فيها من ثمرة حجيرة باعها صاحبها ، وكانت إرثا له من أخيه خمسة وأربعون دينارا ، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا ، وفيها من أجرة حوانيت ثلاثة دنانير ».
فقال مولانا عليهالسلام : « صدقت يا بنيّ ، دلّ الرجل على الحرام منها؟ »
فقال عليهالسلام : « فتّش على دينار رازيّ السكّة تأريخه سنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه وقراضة آمليّة وزنها ربع دينار ، والعلّة في تحريمهما أنّ صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا وربع منّ ، فأتت على ذلك مدّة قيّض في انتهاؤها لذلك الغزل سارقا ، فأخبر به