ونبغ خامل (١) ، وهدر فنيق الباطل (٢) يخطر في عرصاتكم (٣) ، فأطلع الشيطان رأسه من مغرسه (٤) صارخا بكم ، فوجدكم لدعوته مستجيبين ، وللغرّة ملاحظين (٥) ، واستنهضكم فوجدكم إليه سراعا ، وأحمشكم فألفاكم لدعوته غضابا (٦) ، فوسمتم غير إبلكم (٧) ، وأوردتم غير شربكم (٨) ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب (٩) ، والجرح لمّا يندمل (١٠) ، والرسول لمّا يقبر (١١) ، انذارا (١٢) زعمتم خوف الفتنة (١٣) ( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) (١٤).
فهيهات منكم ، وأين بكم؟ وأنّى تؤفكون (١٥)؟ وكتاب الله بين
__________________
(١) نبغ : ظهر ، ونبغ الرجل : إذا لم يكن في إرث الشعر ثم قال وأجاد. والخامل : من خفي ذكره وصوته وكان ساقطا لا نباهة له.
(٢) الهدير : ترديد البعير صوته في حنجرته. والفنيق : الفحل المكوم من الإبل الذي لا يركب ولا يهان لكرامته على أهله.
(٣) يقال : خطر البعير بذنبه إذا رفعه مرّة بعد اخرى وضرب به فخذيه.
(٤) في بلاغات النساء والاحتجاج : مغرزه.
(٥) الغرّة بالكسر : الاغترار والانخداع. وملاحظة الشيء : مراعاته ، وأصله من اللحظ وهو النظر بمؤخر العين ، وهو إنّما يكون عند تعلّق القلب بشيء ، أي وجدكم الشيطان لشدّة قبولكم للانخداع كالذي كان مطمح نظره أن يغترّ بأباطيله.
(٦) أحمشت الرجل : أغضبته ، وأحمشت النار : ألهبتها ، أي حملكم الشيطان على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه ، أو من عند أنفسكم.
(٧) الوسم : أثر الكي ، أي علّمتم بأثر الكي غير إبلكم.
(٨) الورود : حضور الماء للشرب ، والإيراد : الإحضار. والشرب بالكسر : الحطّ من الماء. وهما كنايتان عن أخذ ما ليس لهم بحقّ من الخلافة والإمامة وميراث النبوّة.
(٩) الكلم : الجرح ، والرحب بالضم : السعة.
(١٠) الجرح بالضم الاسم ، وبالفتح المصدر. و « لمّا يندمل » أي لم يصلح بعد.
(١١) يقبر : يدفن.
(١٢) في الاحتجاج : ابتدارا.
(١٣) أي ادّعيتم وأظهرتم للناس كذبا وخديعة إنّا إنّما اجتمعنا في السقيفة دفعا للفتنة مع أنّ الغرض كان غصب الخلافة عن أهلها وهو عين الفتنة.
(١٤) التوبة : ٤٩.
(١٥) « هيهات » للتبعيد ، وفيه معنى التعجّب ، وكذلك « كيف » و « أنّى » تستعملان في