فإن تعزوه (١) تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمّي دون رجالكم ، فبلغ بالنذارة (٢) ، وصدع بالرسالة ، مائلا عن مدرجة (٣) الناكثين ، ناكبا عن سنن المشركين ، ضاربا لأثباجهم (٤) ، آخذا بأكظامهم (٥) ، يجذّ الأصنام ، وينكت الهام (٦) ، داعيا الى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة حتى انهزم الجمع وولّى الدبر ، وحتى تولّى (٧) الليل عن صبحه ، وأسفر الحقّ (٨) عن محضه ، ونطق زعيم الدين (٩) ، وخرست شقاشق الشياطين (١٠) ، وفهتم بكلمة الإخلاص (١١) ، وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب ، ونهزة الطاعن (١٢) ، وقبسة العجلان (١٣) ، وموطئ الأقدام (١٤) ، تشربون الرنق (١٥) ،
__________________
(١) يقال : « عزوته الى أبيه » إذا نسبته إليه ، أي إن ذكرتم نسبه وعرفتموه تجدوه أبي وأخا ابن عمّي.
(٢) النذارة بالكسر : الإنذار وهو الإعلام على وجه التخويف.
(٣) المدرجة : المذهب والمسلك.
(٤) الثبج بالتحريك : وسط الشيء ومعظمه.
(٥) الكظم بالتحريك : مخرج النفس من الحلق. والمعنى أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان لا يبالي بكثرة المشركين واجتماعهم ولا يداريهم في الدعوة.
(٦) النكت : إلقاء الرجل على رأسه ، يقال : طعنه فنكته. والهام جمع الهامة وهي الرأس والمراد قتل رؤساء المشركين وقمعهم وإذلالهم أو المشركين مطلقا.
(٧) في نسخة البحار : تضرّى. والمعنى : انشقّ حتى ظهر ضوء الصباح.
(٨) يقال : « أسفر الصبح » أي أضاء.
(٩) زعيم القوم : سيّدهم والمتكلّم عنهم ، والزعيم أيضا الكفيل.
(١٠) الشقاشق جمع شقشقة بالكسر وهي شيء كالرية يخرجها البعير من فيه إذا هاج ، وإذا قالوا للخطيب ذو شقشقة فإنّما يشبّه بالفحل.
(١١) يقال : فاه فلان بالكلام ـ كقال ـ أي لفظ به ، كتفوّه. وكلمة الإخلاص كلمة التوحيد. وفيه تعريض بأنّه لم يكن إيمانهم عن قلوبهم.
(١٢) مذقة الشارب : شربته. والنهزة بالضمّ : الفرصة ، أي محلّ نهزته. أي كنتم قليلين أذلاّء يتخطّفكم الناس بسهولة.
(١٣) القبسة بالضمّ : شعلة من نار يقتبس من معظمها. والإضافة الى العجلان لبيان القلّة والحقارة.
(١٤) وطي الأقدام مثل مشهور في المغلوبية والمذلّة.
(١٥) الرنق : تراب في الماء من القذى ونحوه. ورنق الماء : كدر.