منه بمواضع المقدور (١) ابتعثه إتماما لعلمه ، وعزيمة على إمضاء حكمه ، وإنفادا لمقادير حتمه.
فرأى عليهالسلام الامم فرقا في أديانها ، عابدة لنيرانها ، عاكفة على أوثانها ، منكرة لله عزّ وجلّ مع عرفانها (٢) فأنار الله به ظلمها ، وجلى عن الأبصار غممها (٣) وفرّج عن القلوب بهمها (٤) وقام في الناس بالهداية ، وأنقذهم من الغواية ، وهداهم الى الدين القويم ، ودعاهم الى الطريق المستقيم.
ثمّ قبضه الله عزّ وجلّ إليه قبض رأفة واختيار (٥) ، وتكرمة وهبّ ، ونقله عن تعب هذه الدار ، موضوعا عن عنقه الأوزار ، مخلّدا في دار القرار ، محتفّا به الملائكة الأبرار ، في مجاورة الملك الجبّار ، رضوانه عليه وعلى أهل بيته الأخيار ، وصلّى الله على نبيّه وأمينه على وحيه وصفيّه من الخلائق وسلّم كثيرا.
ثمّ التفتت الى أهل المجلس وقالت : وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه (٦) ، وحملة معالم علمه ووحيه ، وامناؤه على أنفسكم ، وبلغاؤه الى الامم (٧) ، خوّلكم عهده الذي قدّمه إليكم ، وبقيّته التي استخلفها فيكم (٨) كتاب الله ، بصائره نيّرة لذوي الألباب (٩) ، وآي كاشفة سرائره وبرهانه ، وحججه النيّرة ، ومواعظه المكرّرة ، ومحارمه المحذّرة ، ورخصه (١٠) الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة ، وفضائله المندوبة.
__________________
(١) أي لمعرفته تعالى بما يصلح وينبغي من أزمنة الامور الممكنة المقدورة وأمكنتها ، ويحتمل أن يكون المراد بالمقدور المقدّر.
(٢) لكون معرفته تعالى فطرية ، أو لقيام الدلائل الواضحة الدالّة على وجوده سبحانه.
(٣) جلوت الأمر : أوضحته وكشفته. والغمم : جمع غمّة ، يقال : أمر غمّة أي مبهم ملتبس.
(٤) البهم : جمع بهمة وهي مشكلات الامور.
(٥) أي من الله له ما هو خير له ، أو باختيار منه صلىاللهعليهوآلهوسلم ورضا.
(٦) أي نصبكم الله لأوامره ونواهيه.
(٧) أي تبلّغون الأحكام الى سائر الناس.
(٨) العهد : الوصيّة ، وبقيّة الرجل : ما يخلفه في أهله ، والمراد بها القرآن ، أو بالأول ما أوصاهم به في أهل بيته وعترته وبالثاني القرآن.
(٩) البصائر : جمع بصيرة وهي الحجّة ، ونيّرة أي واضحة.
(١٠) الرخص : المباحات.