الى الخلائق باجزالها (١) ، وآمن (٢) بالندب الى أمثالها.
وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، كلمة جعل الإخلاص تأويلها (٣) ، وضمّن القلوب موصولها (٤) ، وأبان في الفكر محصولها ، وأظهر فيها معقولها (٥) ، الممتنعة من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام الإحاطة به ، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبله ، وانشأها بلا احتذاء امتثله (٦) ، وفطرها لغير فائدة زادته إلاّ إظهارا لقدرته ، وتعبّدا لبريّته ، وإعزازا لأهل دعوته ، ثمّ جعل الثواب لأهل طاعته ، وجعل العقاب لأهل معصيته ، زيادة (٧) لأوليائه عن نقمته ، وحياشة لهم الى جنّته (٨).
وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، واختاره قبل أن ينتجبه ، واصطفاه قبل أن يبعثه ، اذ الخلائق تحت الغيوب مكنونة ، وبستر الأهاويل مصونة (٩) ، وبنهاية العدم مقرونة ، علما من الله تعالى بمآيل الامور (١٠) ، وإحاطة منه بحوادث الدهر ، ومعرفة
__________________
(١) يقال أجزلت له من العطاء أي أكثرت ، أي طلب منهم الحمد بسبب إجزال النعم وإكمالها عليهم.
(٢) وفي نسخة البحار : « وثنّى » بدل « وآمن » والمعنى : أي بعد أن أكمل لهم النعم الدنيويّة ندبهم الى تحصيل أمثالها من النعم الاخروية.
(٣) المراد بالإخلاص جعل الأعمال كلّها خالصة لله تعالى ، وعدم شوب الرياء والأغراض الفاسدة ، وعدم التوسل بغيره تعالى في شيء من الامور ، فهذا تأويل كلمة التوحيد.
(٤) لعلّ المراد أنّ الله تعالى ألزم وأوجب على القلوب ما تستلزمه هذه الكلمة من عدم تركيبه تعالى وعدم زيادة صفاته الكمالية الموجودة وأشباه ذلك ممّا يؤول الى التوحيد.
(٥) أي أوضح في الأذهان ما يتعقّل من تلك الكلمة بالتفكّر في الدلائل والبراهين.
(٦) احتذى مثاله : اقتدى به.
(٧) الذود والذياد : السوق والطرد والدفع والإبعاد.
(٨) حشت الصيد أحوشه : إذا جئته من حواليه لتصرفه الى الحبالة ، ولعلّ التعبير بذلك لنفور الناس بطباعهم عمّا يوجب دخول الجنّة.
(٩) لعلّ المراد بالستر ستر العدم أو حجب الأصلاب والأرحام ، ونسبته الى الأهاويل لما يلحق الأشياء في تلك الأحوال من موانع الوجود وعوائقه ، ويحتمل أن يكون المراد أنّها كانت مصونة عن الأهاويل بستر العدم إذ هي إنّما تلحقها بعد الوجود. وقيل : التعبير بالأهاويل من قبيل التعبير عن درجات العدم بالظلمات.
(١٠) على صيغة الجمع أي عواقبها.