والأحاديث التي تفسر في الوافع هذا الكتاب وتشرحه ، كلها حافاة بالحقائق التربوية ودقائقها.
لذلك ففي الحقبة التي لم يكن الغربيون يعرفون شيئاً ، حى فيما بينهم وبين أنفسهم ، عما يسمى بالتربية والتعليم وكيف يكون ، كان المسلمون قد ألّفوا الكتب التخصصية في مواضيع تتعلق بالتربية والتعليم. ففي القرون الوسطى ، يوم كان عالم الغرب غائصاً في أوحال الجهل والهمجية وعدم المعرفة ، ظهر امثال محمد بن سحنون المغربي بكتابه الموسوم بـ « آداب المعلمين » فيما بين القرنين الثاني والثالث الهجري. وهذا الكتاب الذي يدور حول التربية والتعليم ، قد استقى محتويانه من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة. وعليه ، فان الخطوة الاولى على طريق التربية والتعليم ، بمفهومهما الحديث ، قد خطاها المسلمون ، ذلك لأنهم كانوا يملكون ثقافة ذات غنى وثروة على هذا الصعيد ، فقد كانت بحوث العلماء المسلمين في ميدان التربية والتعليم قد بدأت منذ أوائل ظهور الاسلام ، فألفوا فيهما عشرات الكتب التي استوحى منها العلماء الغربيون فيما بعد أفكارهم ، من ذلك كتاب « آراء أهل المدينة الفاضلة » للفارابي ، و « الرسائل » لإخوان الصفا ، و « السياسة » لابن سينا ، و « إحياء علوم الدين » للغزالي وكذلك كتبه الاخرى ، وعشرات من الكتب غيرها كتبها العلماء المسلمون في التربية والتعليم ، أو في ما يرتبط بالتربية والتعليم. وهي كلها مصاديق واقعية تحكي عن غنى الثقافة الاسلامية ، تلك الثقافة التي يعكسها لنا القرآن والاحاديث النبوية الشريفة وما ورد الينا عن الأئمة الكرام عليهمالسلام.
في الثقافة الاسلامية لاتبدأ تربية الانسان بولادته ، إذا إن ولادة الانسان واحدة من مراحل تربيته. ففي تعاليم التربية والتغليم الاسلامية تبدأ تربية الانسان قبل ان يولد ، عند ما يكون جنيناً ، بل منذ انعقاد نطفته ، حتى قبل ذلك أيضا ، فقد وردت التوصيات