الذين في قلوبهم مرض بإفساد الامور وتقليبها عليهم ، والتقصير في طاعة الله ورسوله ، ومن الخارج بالدعوة الشاقة الدينية ، ووثوب الكفار من العرب عليهم من جانب ، وأهل الكتاب واليهود منهم خاصة من جانب آخر ، وتهديد الكفار كالروم والعجم بالقوة والعدة من جانب آخر ، وهؤلاء الكافرون ومن يحذو حذوهم اشتبه عليهم الأمر في الركون الى الدنيا وزخارفها حيث أخذوها غاية وهي مقدمة والغاية أمامها .
فالسورة كما ترى تبحث عن طبائع الامم لكن بنحو وسيع يشمل جهات خلقهم وتكوينهم وجميع ما يتعقب ذلك في مسير حيوتهم من الخصائل وأعمال السعادة والشقاوة والطاعة والمعصية فتبين أن ذلك كله تحت قيمومته تعالى لا يقهر في قدرته ، ولا يغلب في أمره لا في الدنيا ولا في الآخرة ، أما في الدنيا فإنما هو إذن وامتحان ، وأما في الآخرة فإنما هو الجزاء إن خيراً فخير وإن شراً فشر .
وكذلك الآيات أعني قوله : إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم الى تمام تسع آيات في مقام بيان أن الكفار وإن كذبوا آيات ربهم وبدلوا نعم الله التي أنعمها عليهم ليتوسلوا بها الى رضوانه وجنته فركنوا واعتمدوا عليها واستغنوا بها عن ربهم ، ونسوا مقامه ليسوا بمعجزين ولا غالبين فسيأخذهم الله بنفس أعمالهم ، ويؤيد عباده المؤمنين عليهم وسيحشرهم الى جهنم وبئس المهاد ، وهم مع ذلك غالطون في الركون الى ما ليس إلا متاعاً في الحياة الدنيا وعند الله حسن المآب ، فالآيات أيضاً تبحث عن طبيعة الكفار لكن بنحو وسيع يشمل الصالح والطالح من أعمالهم .
على أن الآية التي ذكرها هذا القائل مستشهداً بها على أن الحقائق لا تسند إلا الى الله وإنما يسند الى الشيطان الأعمال أعنی قوله تعالى : « كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ » يدل بما حف عليه من القرائن على خلاف ذلك ويؤيد ما ذكرناه وهو قوله تعالى : « وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ » الأنعام ـ ١٠٨ ، وهو ظاهر .
وكذا يظهر فساد ما ذكره بعضهم : أن التزيين على قسمين محمود ومذموم والأعمال نوعان حسنة وسيئة ، وإنما يسند إلى الله سبحانه ما هو منها محمود ممدوح حسن ، والباقي للشيطان !