الناس فقال فيما قال : عليك يا عبد الله بما دلك عليه القران من صفته ، وتقدمك فيه الرسول من معرفته ، واستضیء من نور هدايته فإنما هي نعمة وحكمة أوتيتها ، فخذ ما اوتيت وكن من الشاكرين ، وما كلفك الشيطان عليه مما ليس عليك في الكتاب فرضه ، ولا في سنة الرسول وأئمة الهدى أمره فكل علمه إلى الله ، ولا تقدر عظمة الله واعلم يا عبد الله : أن الراسخين في العلم الذين اختارهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فقالوا امنا به كل من عند ربنا ، وقد مدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً ، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخاً فاقتصر على ذلك ولا تقدر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين .
أقول : قوله عليهالسلام : واعلم يا عبد الله أن الراسخين في العلم إلخ ظاهر في أنه عليهالسلام أخذ الواو في قوله تعالى : والراسخون في العلم يقولون ، للاستيناف دون العطف كما استظهرناه من الآية ومقتضى ذلك أن ظهور الآية لا يساعد على كون الراسخين في العلم عالمين بتأويله ، لا أنه يساعد على عدم إمكان علمهم به ، فلا ينافي وجود بيان آخر يدل عليه كما تقدم بيانه وهو ظاهر بعض الأخبار عن أئمه أهل البيت كما سيأتي . وقوله عليهالسلام : الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب ، خبر إن ، والكلام ظاهر في تحضيض المخاطب وترغيبه أن يلزم طريقة الراسخين في العلم بالاعتراف بالجهل فيما جهله فيكون منهم ، وهذا دليل على تفسيره عليهالسلام الراسخين في العلم بمطلق من لزم ما علمه ولم يتعد الى ما جهله . والمراد بالغيوب المحجوبة بالسدد : المعاني المرادة بالمتشابهات المخفية عن الأفهام العامة ولذا أردفه بقوله ثانياً : فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره ، ولم يقل بجملة ما جهلوا تأويله فافهم .
وفي الكافي عن الصادق عليهالسلام نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله .
أقول : والرواية لا تخلو عن ظهور في كون قوله تعالى والراسخون في العلم ، معطوفاً على المستثنى في قوله : وما يعلم تأويله إلا الله لكن هذا الظهور يرتفع بما مر من البيان وما تقدم من الرواية ، ولا يبعد كل البعد أن يكون المراد بالتأويل هو المعنى المراد بالمتشابه فإن هذا المعنى من التأويل المساوق لتفسير المتشابه كان شائعاً في الصدر الأول بين الناس .