من قوله : وكيف تكفرون وأنتم تتلی عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله الآية أن التمسك بآيات الله وبرسوله ( الكتاب والسنة ) اعتصام بالله مأمون معه المتمسك المعتصم ، مضمون له الهدى ، والتمسك بذيل الرسول تمسك بذيل الكتاب فإن الكتاب هو الذي يأمر بذلك في مثل قوله : « وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا » الحشر ـ ٧ .
وقد بدل في هذه الآية الاعتصام المندوب إليه في تلك الآية بالاعتصام بحبل الله فأنتج ذلك أن حبل الله هو الكتاب المنزل من عند الله ، وهو الذي يصل ما بين العبد والرب ويربط السماء بالأرض ، وإن شئت قلت : إن حبل الله هو القرآن والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد عرفت أن مآل الجميع واحد .
والقرآن وإن لم يدع إلا إلى حق التقوى والإسلام الثابت لكن غرض هذه الآية غير غرض الآية السابقة الآمرة بحق التقوى والموت على الاسلام فإن الآية السابقة تتعرض لحكم الفرد ، وهذه الآية تتعرض لحكم الجماعة المجتمعة والدليل عليه قوله : « جميعاً » وقوله : « ولا تتفرقوا » فالآيات تأمر المجتمع الاسلامي بالاعتصام بالكتاب والسنة كما تأمر الفرد بذلك .
قوله تعالى : « واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً » جملة إذ كنتم ، بيان لما ذكر من النعمة ، وعليه يعطف قوله : « وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها » .
والأمر بذكر هذه النعمة مبني على ما عليه دأب القرآن أن يضع تعليمه على بيان العلل والأسباب ، ويدعو إلى الخير والهدى من وجهه من غير أن يأمر بالتقليد العامي المعمى ، وحاشا التعليم الإلهي أن يهدي الناس إلى السعادة وهي العلم النافع والعمل الصالح ثم يأمر بالوقوع في تيه التقليد وظلمة الجهل .
لكن يجب أن لا يشتبه الأمر ولا يختلط الحال
على المتدبر الباحث ، فالله سبحانه يعلم الناس حقيقة سعادتهم ، ويعلم الوجه فيها ليتبصروا بارتباط الحقائق بعضها ببعض
، وأن الجميع فائضة من منبع التوحيد مع وجوب إسلامهم لله لأنه الله رب العالمين
( ٣ ـ الميزان ـ ٢٤ )