به أو لأن جبرائيل مسحه بجناحه حين ولادته ليكون عوذة من الشيطان ، أو لأنه كان يمسح رؤوس اليتامى ، أو لأنه كان يمسح عين الأعمى بيده فيبصر ، أو لأنه كان لا يمسح ذا عاهة بيده إلا برء ، فهذه وجوه ذكروها في تسميته بالمسيح .
لكن الذي يمكن أن يعول عليه أن هذا اللفظ كان واقعاً في ضمن البشارة التي بشر بها جبرائيل مريم عليها السلام على ما يحكيه تعالى بقوله : « إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ » ، وهذا اللفظ بعينه معرب « مشيحا » الواقع في كتب العهدين .
والذي يستفاد منها أن بني إسرائيل كان من دأبهم أن الملك منهم إذا قام بأمر الملك مسحته الكهنة بالدهن المقدّس ليبارك له في ملكه فكان يسمى مشيحاً فمعناه : إما الملك وإما المبارك .
وقد يظهر من كتبهم أنه عليهالسلام إنما سمي مشيحاً من جهة كون بشارته متضمناً لملكه ، وأنه سيظهر في بني إسرائيل ملكاً عليهم منجياً لهم كما يلوح ذلك من إنجيل لوقا في بشارة مريم ، قال : فلما دخل إليها الملك قال السلام لك يا ممتلية نعمة الرب معك مباركة أنت في النساء ، فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما هذا السلام ، فقال لها الملك لا تخافي يا مريم فقد ظفرت بنعمة من عند الله ، وأنت تحبلين وتلدين ابناً وتدعين اسمه يسوع ، هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب له كرسي داود أبيه ، ويملك على بيت يعقوب الى الأبد ولا يكون لملكه انقضاء » لوقا ١ ـ ٣٤ .
ولذلك تتعلل اليهود عن قبول نبوته بأن البشارة لاشتمالها على ملكه لا تنطبق على عيسى عليهالسلام لأنه لم ينل الملك أيام دعوته وفي حيوته ، ولذلك أيضاً ربما وجهته النصارى وتبعه بعض المفسرين من المسلمين بأن المراد بملكه الملك المعنوي دون الصوري .
أقول : وليس من البعيد أن يقال : إن تسميته بالمسيح في البشارة بمعنى كونه مباركاً فإن التدهين عندهم إنما كان للتبريك ، ويؤيده قوله تعالى : « قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ » مريم ـ ٣١ .
وعيسى أصله يشوع ، فسروه بالمخلص وهو المنجي
، وفي بعض الأخبار تفسيره بيعيش وهو أنسب من جهة تسمية ابن زكريا بيحيى على ما مر من المشابهة التامة بين