أَبِينَا
مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ـ إلى أن قال ـ : لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي
غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ » ـ يوسف ـ ١٠ .
قوله
تعالى : إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله
يبشرك « إلخ » ، الظاهر أن هذه البشارة هي التي يشتمل عليها قوله تعالى في موضع آخر : « فَأَرْسَلْنَا
إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن
كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا الآيات » مريم ـ ١٩
، فتكون البشارة المنسوبة الى الملائكة هيهنا هي المنسوبة إلى الروح فقط هناك .
وقد قيل في وجهه أن المراد بالملائكة هو
جبرئيل ، عبر بالجمع عن الواحد تعظيماً لأمره كما يقال : سافر فلان فركب الدواب وركب السفن ، وإنما ركب دابة واحدة وسفينة واحدة ، ويقال : قال له الناس كذا ، وإنما قاله واحد وهكذا ، ونظير الآية قوله في قصة زكريا السابقة : فنادته الملائكة ثم قوله : قال كذلك الله يفعل ما يشاء الآية .
وربما قيل : إن جبرئيل كان معه غيره فاشتركوا
في ندائها .
والذي يعطيه التدبر في الآيات التي تذكر
شأن الملائكة أن بين الملائكة تقدماً وتأخراً من حيث مقام القرب ، وأن للمتأخر التبعية المحضة لأوامر المتقدم بحيث يكون
فعل المتأخر رتبة ، عين فعل المتقدم ، وقوله عين قوله نظير ما نشاهده ونذعن به من كون
أفعال قوانا وأعضائنا عين أفعالنا من غير تعدد فيه تقول : رأته عيناي وسمعته اذناي
، ورأيته وسمعته ، ويقال فعلته جوارحي وكتبته يدي ورسمته أناملي وفعلته أنا وكتبته أنا ، وكذلك فعل المتبوع من الملائكة فعل التابعين له المؤتمرين لأمره بعينه
، وقوله قولهم من غير اختلاف ، وبالعكس كما أن فعل الجميع فعل الله سبحانه وقولهم قوله ، كما قال تعالى : « اللَّهُ
يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا
» الزمر ـ ٤٢ ، فنسب التوفي الى نفسه ، وقال : « قُلْ
يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ
» السجدة ـ ١١ ، فنسبه الى ملك الموت وقال : « حَتَّىٰ
إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا
» الأنعام ـ ٦١ ، فنسبه الى جمع من الملائكة .
ونظيره قوله تعالى : « إِنَّا أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ » النساء ـ ١٦٣ ، وقوله : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ
» الشعراء ـ ١٩٤ ، وقوله : « مَن
كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ