ـ الذي لا يريد شيئاً ولا يقصد أمراً إلا عن حب نفسي وتعلق قلبي ـ بغيره تعالى من معبود أو مطلوب كصنم أو ند أو غاية دنيوية بل ولا مطلوب اخروي كفوز بالجنة أو خلاص من النار وإنما يكون متعلق قلبه هو الله تعالى في معبوديته ، فالإخلاص لله في دينه إنما يكون بحبه تعالى .
ثم الحب الذي هو بحسب الحقيقة الوسيلة الوحيدة لارتباط كل طالب بمطلوبه وكل مريد بمراده إنما يجذب المحب الى محبوبه ليجده ويتم بالمحبوب ما للمحب من النقص ولا بشرى للمحب أعظم من أن يبشر أن محبوبه يحبه ، وعند ذلك يتلاقى حبان ، ويتعاكس دلالان .
فالإنسان إنما يحب الغذاء وينجذب ليجده ويتم به ما يجده في نفسه من النقص الذي آتيه الجوع ، وكذا يحب النكاح ليجد ما تطلبه منه نفسه الذي علامته الشبق وكذا يريد لقاء الصديق ليجده ويملك لنفسه الانس وله يضيق صدره ، وكذا العبد يحب مولاه والخادم ربما يتوله لمخدومه ليكون مولى له حق المولوية ، ومخدوماً له حق المخدومية ، ولو تأملت موارد التعلق والحب أو قرأت قصص العشاق والمتولهين على اختلافهم لم تشك في صدق ما ذكرناه .
فالعبد المخلص لله بالحب لا بغية له إلا أن يحبه الله سبحانه كما أنه يحب الله ويكون الله له كما يكون هو لله عز اسمه فهذا هو حقيقة الأمر غير أن الله سبحانه لا يعد في كلامه كل حب له حباً ( والحب في الحقيقة هو العلقة الرابطة التي تربط أحد الشيئين بالآخر ) على ما يقضي به ناموس الحب الحاكم في الوجود فإن حب الشيء يقتضي حب جميع ما يتعلق به ، ويوجب الخضوع والتسليم لكل ما هو في جانبه ، والله سبحانه هو الله الواحد الأحد الذي يعتمد عليه كل شيء في جميع شئون وجوده ويبتغي اليه الوسيلة ويصير اليه كل ما دق وجل ؛ فمن الواجب أن يكون حبه والإخلاص له بالتدين له بدين التوحيد وطريق الإسلام على قدر ما يطيقه إدراك الإنسان وشعوره ، وإن الدين عند الله الإسلام ، وهذا هو الدين الذي يندب اليه سفرائه ، ويدعو اليه أنبيائه ورسله ، وخاصة دين الإسلام الذي فيه من الإخلاص ما لا إخلاص فوقه ، وهو الدين الفطري الذي يختم به الشرائع وطرق النبوة كما يختم بصادعه الأنبياء عليهم السلام ، وهذا الذي ذكرناه مما لا يرتاب فيه المتدبر في كلامه تعالى .