ذلك امتحاناً وإتماماً للحجة وخذلاناً واستدراجاً ونحو ذلك ، وهذا كله نسب تشريعية ، واذا صحت النسبة التشريعية من غير محذور لزوم القبح فصحة النسبة التكوينية التي لا مجال للحسن والقبح العقلائيين فيها أوضح .
ثم إنه تعالى ذكر أن كل شيء فهو مخلوق له منزل من عنده من خزائن رحمته كما قال : « وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ » الحجر ـ ٢١ ، وذكر أيضاً أن ما عنده فهو خير . قال تعالى : « وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ » القصص ـ ٦٠ ، وانضمام الآيتين وما في معناهما من الآيات يعطي أن كل ما يناله شيء في العالم ويتلبس به مدى وجوده فهو من الله سبحانه وهو خير له ينتفع به ويتنعم بسببه كما يفيده أيضاً قوله تعالى : « الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ » الم السجدة ـ ٧ ، مع قوله تعالى : « ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ » المؤمن ـ ٦٢ .
وأما كون بعض ما ينال الأشياء من المواهب الإلهية شراً يستضر به فإنما شرّيته وإضراره نسبي متحقق بالنسبة الى ما يصيبه خاصة مع كونه خيراً نافعاً بالنسبة الى آخرين وبالنسبة الى علله وأسبابه في نظام الكون كما مر يشير اليه قوله تعالى : « وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ » النساء ـ ٧٩ ، وقد مر البحث عن هذا المعنى فيما مر .
وبالجملة جميع ما يفيضه الله على خلقه من الخير وكله خير ينتفع به يكون رزقاً بحسب انطباق المعنى إذ ليس الرزق إلا العطية التي ينتفع بها الشيء المرزوق ، وربما أشار اليه قوله تعالى : « وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ » طه ـ ١٣١ .
ومن هنا يظهر أن الرزق والخير والخلق بحسب المصداق على ما يبينه القرآن امور متساوية فكل رزق خير ومخلوق ، وكل خلق رزق وخير ، وإنما الفرق : أن الرزق يحتاج إلى فرض مرزوق يرتزق به فالغذاء رزق للقوة الغاذية لاحتياجها اليه ، والغاذية رزق للواحد من الإنسان لاحتياجه اليها ، والواحد من الإنسان رزق لوالديه لانتفاعهما به ، وكذا وجود الإنسان خير للإنسان بفرضه عارياً عن هذه النعمة الإلهية ، قال تعالى : « الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ » طه ـ ٥٠ .
والخير يحتاج إلى فرض محتاج طالب يختار من بين ما يواجهه ما هو مطلوبه فالغذاء خير للقوة الغاذية بفرضها محتاجة اليه طالبة له تنتخبه وتختاره اذا أصابته ، والقوه الغاذية خير للانسان ، ووجود الانسان خير له بفرضه محتاجاً طالباً .