وجدان وحرمان وخير وشر .
وقد ذكر بعض المفسرين : أن في قوله : بيدك الخير ايجازاً بالحذف ، والتقدير : بيدك الخير والشر كما قيل نظير ذلك في قوله تعالى : « وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ » النحل ـ ٨١ ، أي والبرد .
وكأن السبب في ذلك الفرار عن الاعتزال لقول المعتزلة بعدم استناد الشرور اليه تعالى : وهو من عجيب الاجتراء على كلامه تعالى ، والمعتزلة وان أخطأوا في نفي الانتساب نفياً مطلقاً حتى بالواسطة لكنه لا يجوز هذا التقدير الغريب ، وقد تقدم البحث عن ذلك وبيان حقيقة الأمر .
قوله تعالى : إنك علی كل شيء قدير في مقام التعليل لكون الخير بيده تعالى فإن القدرة المطلقة على كل شيء توجب أن لا يقدر أحد على شيء إلا بإقداره تعالى اياه على ذلك ، ولو قدر أحد على شيء من غير أن تستند قدرته الى إقداره تعالى كان مقدوره من هذه الجهة خارجاً عن سعة قدرته تعالى فلم يكن قديراً على كل شيء ؛ واذا كانت لقدرته هذه السعة كان كل خير مفروض مقدوراً عليه له تعالى ؛ وكان أيضاً كل خير أفاضه غيره منسوباً اليه مفاضاً عن يديه فهو له أيضاً فجنس الخير الذي لا يشذ منه شاذ بيده ، وهذا هو الحصر الذي يدل عليه قوله تعالى : بيدك الخير .
قوله تعالى : تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ؛ الولوج هو الدخول ، والظاهر كما ذكروه أن المراد من إيلاج الليل في النهار ، وإيلاج النهار في الليل ما هو المشاهد من اختلاف الليل والنهار في عرض السنة بحسب اختلاف عروض البقاع والأمكنة على بسيط الأرض ، واختلاف ميول الشمس فتأخذ الأيام في الطول والليالي في القصر وهو ولوج النهار في الليل بعد انتهاء الليالي في الطول من أول الشتاء الى أول الصيف ، ثم يأخذ الليالي في الطول والأيام في القصر وهو ولوج الليل في النهار بعد انتهاء النهار في الطول من أول الصيف الى أول الشتاء ، كل ذلك في البقاع الشمالية ، والأمر في البقاع الجنوبية على عكس الشمالية منها ، فالطول في جانب قصر في الجانب الآخر فهو تعالى يولج الليل في النهار والنهار في الليل دائماً ، أما الاستواء في خط الاستواء والقطبين فإنما هو بحسب الحس وأما في الحقيقة فحكم التغيير دائم وشامل .