وقال تعالى : « لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ » البقرة ـ ٢٥٥ ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن كل ما يسمى شيئاً فهو قائم الذات به مفتقر الذات إليه لا يستقل دونه فلا يمنعه فيما أراده منها وفيها شيء ، وهذا هو الملك ( بالكسر ) كما مر .
وأما أنه مليك على الإطلاق فهو لازم إطلاق كونه مالكاً للموجودات فإن الموجودات أنفسها يملك بعضها بعضاً كالأسباب حيث تملك مسبباتها ، والأشياء تملك قواها الفعالة ، والقوى الفعالة تملك أفعالها كالإنسان يملك أعضائه وقواه الفعالة من سمع وبصر وغير ذلك ، وهي تملك أفعالها ، وإذ كان الله سبحانه يملك كل شيء فهو يملك كل من يملك منها شيئاً ، ويملك ما يملكه ، وهذا هو الملك ( بالضم ) فهو مليك على الإطلاق ، قال تعالى : « لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ » التغابن ـ ١ ، وقال تعالى : « عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ » القمر ـ ٥٥ ، إلى غير ذلك من الآيات ، هذا هو الحقيقي من المِلك والمُلك .
وأما الاعتباري منها فإنه تعالى مالك لأنه هو المعطي لكل من يملك شيئاً من المال ، ولو لم يملك لم يصح منه ذلك ولكان معطياً لما لا يملك لمن لا يملك ، قال تعالى : « وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ » النور ـ ٣٣ .
وهو تعالى مليك يملك ما في أيدي الناس لأنه شارع حاكم يتصرف بحكمه فيما يملكه الناس كما يتصرف الملوك فيما عند رعاياهم من المال ، قال تعالى : « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ » الناس ـ ٢ ، وقال تعالى : « وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا » إبراهيم ـ ٣٤ ، وقال تعالى : « وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ » الحديد ـ ٧ ، وقال تعالى : « وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ » الحديد ـ ١٠ ، وقال تعالى : « لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ » المؤمن ـ ١٦ ، فهو تعالى يملك ما في أيدينا قبلنا ويملكه معنا وسيراه بعدنا عز ملكه .
ومن التأمل فيما تقدم يظهر أن قوله تعالى : اللهم مالك الملك ، مسوق :
اولاً : لبيان ملكه تعالى ( بالكسر ) لكل ملك ( بالضم ) ومالكية الملك ( بالضم ) هو الملك على الملك ( بالضم فيهما ) فهو ملك الملوك ، الذي هو المعطي لكل ملك ملكه كما قال تعالى : « أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ » البقرة ـ ٢٥٨ ، وقال تعالى : « وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا » النساء ـ ٥٤ .