راجع الى أهل الكتاب وهو ظاهر والمراد به محاجتهم في أمر الاختلاف بأن يقولوا : أن اختلافنا ليس لبغى منا بعد البيان بل إنما هو شيء ساقنا اليه عقولنا وأفهامنا واجتهادنا في تحصيل العلم بحقائق الدين من غير أن ندع التسليم لجانب الحق سبحانه وأن ما تراه وتدعو اليه يا محمد من هذا القبيل ، أو يقولوا ما يشابه ذلك ، والدليل على ذلك قوله : فقل : أسلمت وجهي لله ، وقوله : وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين أأسلمتم ، فإن الجملتين حجة سيقت لقطع خصامهم وحجاجهم لا إعراض عن المحاجة معهم .
ومعناها مع حفظ ارتباطها بما قبلها : أن الدين عند الله الإسلام لا يختلف فيه كتب الله ولا يرتاب فيه سليم العقل ، ويتفرع عليه أن لا حجة عليك في إسلامك وأنت مسلم ، فإن حاجوك في أمر الدين فقل : أسلمت وجهي لله ومن اتبعن فهذا هو الدين ولا حجة بعد الدين في أمر الدين ثم سلهم : أأسلموا فإن أسلموا فقد اهتدوا وليقبلوا ما أنزل الله عليك وعلى من قبلك ولا حجة عليهم ولا مخاصمة بعد ذلك بينكم ، وإن تولوا فلا تخاصمهم ولا تحاجهم فلا ينبغي الخصام في أمر ضروري ، وهو أن الدين هو التسليم لله سبحانه ، وما عليك إلا البلاغ .
وقد أشرك سبحانه في الآية بين أهل الكتاب والاميين بقوله : وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين أأسلمتم ، لكون الدين مشتركاً بينهم وإن اختلفوا في التوحيد والتشريك .
وقد علق الإسلام على الوجه ـ وهو ما يستقبلك من الشيء أو الوجه بالمعنى الأخص لكون إسلام الوجه لاشتماله على معظم الحواس والمشاعر إسلاماً لجميع البدن ـ ليدل على معنى الإقبال والخضوع لأمر الرب تعالى ، وعطف قوله : ومن اتبعن حفظاً لمقام التبعية وتشريفاً للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم .
قوله تعالى : وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين أأسلمتم إلى آخر الآية ، المراد بالاميين المشركين سموا بذلك لتسمية من وضع في مقابلهم بأهل الكتاب ، وكذا كان أهل الكتاب يسمونهم كما حكاه تعالى من قوله : « لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ » آل عمران ـ ٧٥ ، والامي هو الذي لا يكتب ولا يقرء .
وفي قوله تعالى : وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد دلالة
اولا
: على النهي عن المراء والإلحاح في المحاجة
فإن المحاجة مع من ينكر الضروري