تعالى عن ذلك بل إن في الفريقين أمراً هو المستدعي لهذا الفرق والله بصير بهم يرى ما فيهم من الفرق وهو التقوى في المؤمن دون الكافر ، وقد وصف هذا التقوى وعرفه بما يلحق بهذه الآية من قوله : الذين قالوا ربنا إلى آخر الآيتين وملخصه : أنهم يظهرون فاقتهم الى ربهم وعدم استغنائهم عنه ، ويصدقون ذلك بالعمل الصالح ولكن الكافر يستغني عن ربه بشهوات الدنيا وينسى آخرته وعاقبة أمره .
ومن ألطف ما يستفاد من الآيتين أعني قوله تعالى : ذلك متاع الحيوة الدنيا والله عنده حسن المآب قل أؤنبئكم بخير من ذلك إلى آخر الآية وما في معناهما من الآيات كقوله تعالى : « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » الأعراف ـ ٣٢ ، الجواب عن إشكال استوجهه كثير من الباحثين على ظواهر الآيات الواصفة لنعم الجنة .
أما الإشكال فهو أن المتأمل في أطوار وجود هذه الموجودات المشهودة في هذا العالم لا يشك في أن الأفعال الصادرة منها وأعمالها التي يعملها إنما هي متفرعة على القوى والأدوات التي جهز بها كل واحد منها ليدفع بها عن وجوده ويحفظ بها بقائه كما يحققه البحث عن الغايات الوجودية وأن الوجود لا يستند إلى اتفاق أو جزاف أو عبث .
فهو ذا الإنسان مجهز في جميع بدنه بجهاز دقيق في غاية الدقة يتمشى به أمر تغذيه ، وإنما يتغذى لتهيئة بدل ما يتحلل من أجزائه وإنما يفعل ذلك ليمد وجوده للبقاء ، وأيضاً هو مجهز بجهاز التناسل على ما فيه من الأدوات والقوى الفعالة والمترتبة ليحفظ بقاء نوعه والأمر في وجود النبات والحيوان نظير الأمر في تجهيز الإنسان .
ثم إن الخلقة احتالت في تسخيرها وخاصة في
تسخير ذوات الشعور منها وهي الحيوان والإنسان بإبداع لذائذ في أفعالها وإيداعها في القوى لتتسابق إلى الأفعال لأجل هذه اللذائذ وهي لا تشعر أن الخلقة تريد منها غايتها وهي بقاء الوجود وتغرها بتطميعها باللذة التي تزينها لها فيحصل بذلك ما يريده الخلقة ، ويلتذ الفاعل بهذه الزينة
التي تغرها ويلعب بها ، فلولا ما في الغذاء والنكاح مثلاً من اللذة لما قصدهما الإنسان
مثلاً لمجرد كونهما مقدمة للبقاء ، وبطل بذلك غرض الخلقة لكن الله سبحانه أودع