الطبيعي كالسلسلة التي تنجر بجر الحلقة منها جميع الحلقات وهو السلسلة فأدنى تغير مفروض في ذرة من ذرات هذا العالم يوجب تغير الحال في الجميع وإن عزب عن علمنا وإدراكنا أو خفي عن إحساسنا فعدم العلم لا يستلزم عدم الوجود ، فهذا مما بينت في الأبحاث العلمية منذ القديم ، وأوضحته الأبحاث الطبيعية والرياضية اليوم أتم ايضاح ، ولقد كان القرآن ينبئنا بذلك أحسن الإنباء قبل أن نأخذ في هذه الأبحاث من فلسفيها وطبيعيها ورياضيها بالنقل عن كتب الآخرين ثم بالاستقلال في البحث ، وذلك بما يذكر من اتصال التدبير في الآيات السماوية والأرضية ، وارتباط ما بينها ، ونفع بعضها في بعض ، واشتراك الجميع في إقامة غرض الخلقة ، ونفوذ القدر في جميعها والسلوك الى المعاد ، وأن الى ربك المنتهى .
وكذلك أوصاف الافعال وعناوين الأعمال مرتبطة الأطراف كارتباط الامور المتقابلة المتعاندة فلولا أحد المتعاندين لم يستقم أمر الآخر كما نشاهده من أمر الصنع والايجاد أن تكون شيء ما يحتاج الى فساد آخر ، وسبق أمر يتوقف على لحوق آخر .
ولو لم يتحقق أحد الطرفين من أوصاف الأعمال لم يستقم أمر الآخر في آثاره المطلوبة منه في الاجتماع الإنساني الطبيعي ، ولا في الاجتماع الإلهي الذي هو الدين الحق ، فإن الإطاعة مثلاً حسنة لأن المعصية سيئة ، والحسنة موجبة للثواب ، لأن السيئة موجبة للعقاب ، والثواب لذيذ للعامل لأن العقاب مولم له ، واللذة سعادة مرغوب فيها لأن الألم شقاوة مهروب عنها ، والسعادة هي التي يتوجه وجوده بحسب الخلقة إليها والشقاوة هي التي يتوجه عنها ، ولولا هذه الحركة الوجودية لبطل الوجود .
فالاطاعة ثم الحسنة ثم الثواب ثم اللذة ثم السعادة هي بحيال المعصية فالعقاب فالألم فالشقاء وإنما يظهر كل منها بخفاء ما يقابله ويحيى بموته ، وكيف يمكن أن تقع دعوة الى شيء من غير تحذير عما يخالفه ؟ وكيف يمكن أن يكون خلافه ممكناً دون أن يكون واقعاً بما يدعو اليه من الأغراض والميول ؟
فقد تبين من ما ذكرناه : أن الواجب في الحكمة
أن يشتمل هذا العالم على الفساد كما يشتمل على الصلاح وعلى المعصية كما يشتمل على الطاعة على ما قدره الله في نظام
صنعه وخلقه غير أن الكون والفساد في غير الأعمال وأوصافها ينسبان الى الله سبحانه لأن الخلق