وأمّا استغاثة المسلمين بالأرواح المقدّسة فخالية من هذه الشوائب فعندئذ ، لا يكون شركاً ولا عبادة ، بل استغاثة بعبد لا يقوم بشيء إلاّ بإذنه سبحانه ، فإن أذن أجاب ، وإن لم يأذن سكت ، فما معنى توصيف هذا بالشرك ؟
٤ ـ هل القدرة والعجز حدان للتوحيد والشرك ؟
وهناك معيار مزعوم آخر يظهر من كلمات ابن تيمية ، وهو أنّ قدرة المستغاث على تحقيق الحاجة يوجب أن لا يكون الطلب شركاً ولكن عجزه عن قضاء الحاجة يضفي على الطلب لون الشرك ، يقول ابن تيمية : « مَنْ يأتي إلى قبر نبيى أو صالح ويسأل حاجته ويستنجد به ، مثل أن يسأله أن يزيل مرضه ويقضي دينه ، ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلاّ اللّه عزّوجلّ. فهذا شرك صريح يجب أن يستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلاّ قتل » (١).
وليس هذا ملاكاً جديداً بل هو وجه آخر للملاك السابق ، غير أنّه عبّر في السابق بموت المستغاث وحياته ، وهنا بالعجز والقدرة ، يقول الصنعاني :
« الاستغاثة بالمخلوقين في ما يقدرون عليه مما لا ينكرها أحد ، وإنّما الكلام في استغاثة القبوريين وغيرهم بأوليائهم ، وطلبهم منهم أُموراً لا يقدر عليها إلاّ اللّه تعالى ، من عافية المرض وغيرها ، وقد قالت أُم سليم : يا رسول اللّه. خادمك أنس ، ادع اللّه له ، وقد كان الصحابة يطلبون الدعاء منه وهو حي ، وهذا أمبر متفق على جوازه ، والكلام في طلب القبوريين من الأموات أو من الأحياء أن يشفوا مرضاهم ويردوا غائبهم ، ونحو ذلك من المطالب الّتي لا يقدر عليها إلاّ اللّه » (٢).
وعلى أىّ تقدير ، فسواء أكان هذا وجهاً آخر للملاك السابق أم ملاكاً آخر بقرينة عطف الأحياء على الأموات في هذا الكلام ، فليست القدرة والعجز ملاكين للتوحيد والشرك ، وإنّما هما ملاك الجدوائية وعدمها.
__________________
١ ـ زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور ، ص ١٥٦ ـ والهداية السنية ، ص ٤٠.
٢ ـ كشف الإرتياب ص ٢٧٢ نقلا عن الصنعاني.