كان البقيع مقبرة المدينة في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وما بعده ، دفن فيه العباس والخليفة عثمان ، وزوجات النبي والكثير من الصحابة والتابعين ، كما دفن فيه أربعة من أئمة أهل البيت عليهمالسلام هم الحسن بن علىّ ، وعلىّ بن الحسين ، ومحمّد بن علىّ وجعفر بن محمّد ، وقد صنع الشيعة لقبور هؤلاء الأربعة ضريحاً باهراً يشبه الأضرحة المعروفة في العراق وإيران ، لكن على نطاق أصغر ، واعتاد الشيعة أن يزوروا هذا الضريح فيقبلونه ويتبركون به ويصلّون عنده ، على نحو ما يفعلون في أضرحة العراق وإيران (١).
ظلّت هذه القبور سليمة أكثر من أربعة أشهر دون أن يمسّها أحد بسوء ، ولكن اتّهم ابن سعود في تنفيذ مبدأ الوهابية لإبقائه عليها ، فاضطر ابن سعود في شهر رمضان سنة ١٣٤٤ هـ إلى إرسال كبير علماء نجد عبداللّه بن بليهد من مكة إلى المدينة للعمل على هدم القبور ، وعندما وصل ابن بليهده إلى المدينة اجتمع بعلمائها ووجه إليهم الاستفتاء التالي :
« ما قول علماء المدينة ـ زادهم اللّه فهماً وعلماً ـ في البناء على القبور واتّخاذها مساجد ، هل هو جائز أم لا؟ وإذا كان غير جائز بل ممنوع منهي عنه نهياً شديداً ، فهل يجب هدمها ومنع الصلاة عندها أم لا؟ وإذا كان البناء في مسبلة كالبقيع ، وهو مانع من الانتفاع بالمقدار المبني عليها ، فهل هو غصب يجب دفعه لما فيه من ظلم المستحقين ومنعهم استحقاقهم أم لا؟ وما يفعله الجهال عند هذه الضرائح من التمسح بها ودعائها مع اللّه ، والتقرب بالذبح والنذر لها ، وإيقاد السرج عليها ، هل هو جائز أم لا؟.
وما يفعل عند حجرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من التوجه إليها عند الدعاء وغيره ، والطواف بها وتقبيلها والتمسح بها ، وكذلك ما يفعل في المسجد من الترحيم والتذكير بين الأذان والإقامة وقبل الفجر ويوم الجمعة ، هل هو مشروع أم لا؟ أفتونا مأجورين وبيّنوا لنا الأدلة المستند إليها لا زلتم ملجأ للمستفيدين » (٢).
ترى أنّ الأسئلة طرحت بشكل أدرج فيها الجواب ، وألزم المفتين على
__________________
١ ـ الوردي ـ علي : لمحات اجتماعية ، ملحق الجزء السادس ص ٣٠٥.
٢ ـ الوردي ـ الدكتور علي : لمحات اجتماعية ، ص ٣٠٥ ـ ٣٠٦.