« إنّنا نرى أنّ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليست له كيفية مخصوصة لا بد من الالتزام وإلزام الناس بها ، بل إنّ كل ما يدعو إلى الخير ويجمع الناس على الهدى ويرشدهم إلى ما فيه منفعتهم في دينهم ودنياهم ، يحصل به تحقيق المقصود من المولد النبوي ، ولذلك فلو اجتمعنا على شيء من المدائح الّتي فيها ذكر الحبيب صلىاللهعليهوآلهوسلم وفضله ، وجهاده ، وخصائصه ، ولم نقرأ قصة المولد النبوي الّتي تعارف الناس على قراءتها ، واصطلحوا عليها حتّى ظن بعضهم أن المولد النبوي لا يتم إلاّ بها ، ثم استمعنا إلى ما يلقيه المتحدثون من مواعظ وإرشادات ، وإلى ما يتلوه القارىء من آيات; أقول : لو فعلناه فإنّ ذلك داخل تحت المولد النبوي الشريف ، ويتحقق به معنى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ، وأظنّ أنّ هذا المعنى لا يختلف فيه اثنان ، ولا ينتطح فيه عنزان » انتهى (١).
ومن المؤسف جداً أنّ الوهابية قامت بشن حملة شعواء على هذا الكتاب ، ولم تراع أدب الكتابة والمناظرة إلى حد اعتراف الكاتب بأسولبه القاسي في المحاورة ، وينتهي في خاتمة كتابه إلى قوله : « ونكرر أسفنا وتأثرنا من القسوة الّتي آثرنا أن يشتمل عليها أسلوبنا في رد ترهاته ، وأباطيله ، ويعلم اللّه أن الباعث لهذا الأسلوب القاسي ، الغيرة لحق اللّه (٢).
ويؤاخذ عليه أن الغيرة لحق اللّه يجب أن تكون في إطار الأدب الّذي ندب إليه الذكر الحكيم وقال : ( ادْعُ إلى سبِيلِ رَبِّكِ بِالحِكْمِةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِىَ أَحْسَنُ ) (٣).
وكان الإمام أميرالمؤمنين علىّ عليهالسلام يؤدب أصحابه عند مقابلة الشاتمين من الشاميين ، من أصحاب معاوية القاسطين بقوله : إنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَن تَكُونُوا سَبَّبابِينَ ، وَلَكِنَّكُمْ لَو وَصَفْتُم أعْمَالَهُم وَذَكَرتُم حَالَهُمْ ، كَانَ أصْوَبَ في القَولِ ، وأبلَغَ فِي العُذْرِ ، وَقُلتُم مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ : اللّهُمّ احْقِن دِمَاءَنَا
__________________
١ ـ حوار مع المالكي ، تأليف عبداللّه بن سليمان بن منيع ، ص ١٦٨.
٢ ـ حوار مع المالكي ، ص ١٩٠.
٣ ـ سورة النحل : الآية ١٢٥.