لذي فضل ، أو حادثة مهمة ، سمّي عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد.
فعلى هذا لا يصحّ أن يقع خبراً لقوله : « قبراً » إذا لا معنى لجعل القبر عيداً ، فإنما يصحّ جعل موسم أو يوم مشخّص عيداً ، فهو يقع خبراً أو صفة للزمان لا للمكان ، ولو صحّ جعله صفة للمكان فإنما هو باعتبار اليوم الّذي يجتمع الناس فيه في ذلك المكان ، فالتعبير الوارد في الحديث لا يوافق الذوق العربي السليم ، فكيف يمكن نسبته إلى أشرف من نطق بالضاد ، ولو أُريد منه ما يحاول المستدل أن يثبته كان الأولى أن يقول : لا تتخذوا مولدي عيداً ، لا قبري عيداً ، أو يقول : لا تتخذوا مولدي حول قبري عيداً.
وحصيلة الكلام أنّ يوم العيد هو يوم الفرح ويوم الزينة ، ولا يمكن تطبيق هذا المعنى على القبر ، إلاّ بارتكاب مجاز متكلف فيه.
وثالثاً : إنّ الرواية لم يعمل بها الصحابة حيث جعلوا بيت النبي قبوراً ، إذ دفن فيه النبي الأكرم ، وبعده أبو بكر وعمر ، فصار بيته قبوراً.
وأمّا الاعتذار بأنّ للأنبياء خصوصية ليست لغيرهم وهي أنهم يدفنون حيث يقبضون ، لا يدفع الإشكال ، إذ ليست هذه الخصوصية في غيرهم كصاحبيه « أبي بكر وعمر » فلماذا جعل بيت النبي قبوراً.
ورابعاً : إنّ الحديث يحتمل معاني مختلفة وراء ما يرتئيه المستدل.
١ ـ منها ما ذكره الحافظ المنذري من أنه يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبر النبي ، وأن لا يهمل حتّى يكون بمثابة العيد (١).
٢ ـ ومنها ما ذكره السبكي حيث قال : « ويحتمل أن يكون المراد : لا تتخذوا وقتاً مخصوصاً لا تكون الزيارة إلاّ فيه ، كماترى أنّ كثيراً من المشاهد ، لزيارته يوم معين كالعيد ، وزيارة قبره صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس لها يوم بعينه ، بل أي يوم كان (٢)
__________________
١ ـ شفاء السقام : ص ٦٧ ، نقلا عن زكي الدين المنذري ( أي : يزار بين المدة الطويلة كالعيد الّذي لا يكون في كل عام إلاّ يوماً واحداً أو يومين ).
٢ ـ المصدر نفسه.