إلاّ وتسمع من الجماعة المتسمين بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يصرخون في وجهك « يا حاج! هذا شرك » وهم لم يحددوا للعبادة حداً منطقياً حتّى يميزوا في ضوئه العبادة عن التعظيم ، فعادوا يسمّون كل تعظيم شركاً ، ولو كان تعظيم وخضوع عبادة ، للزم كفر المملوك والزوجة ، والولد والخادم ، والأجير ، والرعية ، والجنود ، بإطاعتهم وخضوعهم للمولى والزوج والأب والمخدوم والمستأجر والملك والأمراء ، وجميع الخلق لإطاعتهم بعضهم بعضاً ، بل كفر الأنبياء لإطاعتهم آباءهم وخضوعهم لهم ، وقد أوجب اللّه طاعة أوامر الأبوين ، وخفض جناح الذل لهما ، وقال لرسوله : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَن اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنِيِنَ ) (١) ، وأمر بتعزير (٢) النبي وتوقيره ، وأمر بإِطاعة الزوجة لزوجها ، وأوجب إطاعة العبيد لمواليهم وسمّاهم عبيداً (٣).
وقد عرفناك على أنّ العنصر المقوم لكون التعظيم عبادة ، هو الاعتقاد بألوهية المعظَّم له ، أو ربوبيته ، أو كونه مالكاً لمصير المعظّم ، وأنّ بيده عاجله وآجله ، ومنافعه ومضارّه ، ولا اقل مغفرته وشفاعته ، وأمّا إذا خلا التعظيم عن هذه العناصر ، وقام بالاحتفال بذكرى رجل ضحّى بنفسه ونفيسه من أجل استقلال أُمته وإخراجها عن نير الاستعباد ، وهيّأ لهم أسباب الاستقلال ، فلا يعد ذلك عبادة له ، وإن كان هناك احتفال أو احتفالات ، وأُلقي فيها عشرات القصائد والخطب فلا صلة لهذابالعبادة. نعم يدور أمر كل ذلك بين الحلال والحرام ، وهل الشارع رخص ذلك أو لم يرخص ، وسيوافيك أنّ باذر هذه الشكوك ابن تمية ، يرى أن الأصل في العادات عدم الخطر ، إلا ما حظره اللّه (٤). نعم ، الاحتفال بمولد النبي ليس من العادات ، ولا يقام بما أنه أمر عادي بل بما هو أمر قربي له أصل في الكتاب والسنة كما مرّ وسيأتي أيضاً.
____________
١ ـ سورة الشعراء : الآية ٢١٥.
٢ ـ إشارة إلى قوله سبحانه : ( فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوه النور الّذي أُنزل معه ) سورة الأعراف : الآية ١٥٧
٣ ـ كشف الارتياب ، ص ١٠٣ وللكلام صلة مفيدة جداً فمن أراد فليرجع إليه.
٤ ـ المجموع من فتاوى ابن تيمية : ج ٤ ص ١٩٥.