هذه حال الأحاديث الّتي صارت ذريعة بيد الوهابيين لتدمير الآثار الإسلامية منذ أن استولوا على الحرمين الشريفين ، حيث لا تمر سنة إلاّ ويدمّر أثر من الآثار الإسلامية بحجة توسيع الحرم الشريف ، حتّى المكتبات وبيوتات بني هاشم ومدارسهم ، وبيت مضيف النبي أبي أيوب الأنصاري ، وفي الوقت نفسه يعكفون على حفظ آثار اليهود في خيبر وغيرهم باسم الحفاظ على الآثار التاريخية.
ثم إنّ القاضي ابن بليهد قد أعوزته الحجة فتمسّك بكون البقيع مسبلة موقوفة ، وأنّ البناء على القبور مانع عن الانتفاع بأرضها. سبحان اللّه ما أتقنه من برهان؟ من أين علم أنّ البقيع كانت أرضاً حية وقفها صاحبها على دفن الأموات؟.
ومن أراد أن يقف على حال البقيع ، وأنه لم يكن فيها يوم أُعِدَّت للتدفين أي أثر من الحياة ، فليرجع إلى كتاب ( وفاء الوفاء ).
آخر ما في كنانة المستدل
ذكر البخاري في صحيحه في باب كراهة اتّخاذ المساجد على القبور الخبر التالي :
لما مات الحسن بن الحسن بن علي ضربت امرأته القبّة على قبره سنة ، ثم رفعت ، فسمعوا صالحاً يقول :
ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه الآخر : بل يئسوا فانقلبوا (١).
إنّ هذا الخبر لو صحّ فهو على نقيض المطلوب أدل ، فهو يدل على جواز نصب المظلّة على القبر ، ولو كان ذلك حراماً لما صدر من امرأة الحسن بن الحسنعليهماالسلام لأنه كان بمرأى ومسمع من التابعين وفقهاء المدينة ، ولعلها نصبت تلك القبة لأجل تلاوة القرآن في جوار زوجها وإهداء ثوابها إلى روحه.
وأمّا قول الصالح فهو أشبه بقول غير الصالح ، كما أنّ الجواب أيضاً
__________________
١ ـ صحيح البخاري كتاب الجنائز ج ٢ ص ١١١ ، السنن للنسائي ج ٢ كتاب الجنائز ص ١٧١.