العدو في فترة بعد فترة ، إذ بدأت الحملات الاُُخرى من جانب الشرق على يد التتار والمغول ، فكان مختتم الحروب الصليبية مبدأ للحروب الوثنية بايدي عبدة الشمس والكواكب ، ولعلّ هذا يعرب عن اتفاق الصليب والصنم ، وبالتالي الصليبيين والصنميين على تدمير الحضارة الإسلامية ... ولسنا أول من تنبّه إلى اتفاق هاتين القوتين في ذلك العصر المظلم ، بل يظهر عن طريق الإمعان في ثنايا التاريخ أنّ ذلك كان أمراً مدبّراً ، ولو لم يكن هناك اتفاق في بدء الأمر لكن حصل الاتفاق بين الصليبي والوثني في أثناء تلك الحروب ، وفي كلام ابن الأثير المعاصر لهذه الحروب إشارة إلى ذلك حيث يقول : « وقد بلي الإسلام والمسلمون في هذه المدة بمصائب لم يبتل بها أحد من الأُمم. منها هؤلاء التتار ـ قبحهم اللّه ـ أقبلوا من المشرق ففعلوا الأفعال الّتي يستعظمها كل من سمع بها ، ومنها خروج الإفرنج ـ لعنهم اللّه ـ من المغرب إلى الشام وقصدهم ديار مصر ، وملكهم ثغر دمياط منها ، وأشرفت ديار مصر والشام وغيرها على أن يملكوها لولا لطف اللّه تعالى ونصره عليهم » (١).
ثم إنّ ابن الأثير يشير إلى ضعف القيادة الإسلامية في تلك العصور ، ويزيح النقاب عنها بقوله : « يسرّ اللّه للمسلمين والإسلام من يحفظهم ويحوطهم ، فلقد دفعوا من العدو إلى عظيم ، ومن الملوك المسلمين إلى من لا تتعدى همته بطنه وفرجه ... » (٢).
ولأجل إيقاف القارىء على مدى الخسائر الفادحة الواردة على الإسلام والمسلمين ، الناجمة عن هذه الحروب الصليبية والتترية ، نذكر لمحة خاطفة من هاتين الحربين كنموذج تمثيلي ، ليعلم بذلك داء المسلمين فيه ، ثم نبحث عن الدواء الّذي كان ينبغي لعلماء الإسلام أن يقدّموه إلى المجتمع الإسلامي ، والمصل الناجع ، ونقدّم الكلام عن الحروب الصليبية أوّلا ، ثم عن التترية ثانياً ، ثم تنامي رقعة الهجمات الصليبية في الوطن الإسلامي بهجومهم على الأندلس ثالثاً ، وقد استغرقت هذه الهجمات الصليبية والتترية قرنين ، من
__________________
١ ـ الكامل في التاريخ ج ١٢ ص ٣٦٠.
٢ ـ الكامل في التاريخ ج ١٢ ص ٣٧٦.