أحدهما « يتحاشى عن الحشو والتشبيه والتجسيم ، والآخر تستّر بمذهب السلف ، ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التشبيه والتجسيم » (١).
والحق أنّ الحشوية بأجمعهم مجسّمة ، والتسمك بمذهب السلف واجهة ستروا بها قبح عقيدتهم ، ولو رفع الستر لبان أنهم مجسمة ومشبهة ، وفي هذاالصدد يقول الزمخشري:
ولو حنبلياً قلت قالوا بأنني |
|
ثقيل حلولىُّ بغيض مجسم |
ويقول أبوبكر ابن العربي في حقهم :
قالوا الظواهر أصل لا يجوز لنا |
|
عنها العدول إلى رأي ونظر |
بينوا عن الخلق لستم منهم أبداً |
|
ما للأنام ومعلوف من البقر (٢) |
نعم ، الظواهر هي الأصل ولا يجوز لأحد العدول عنه : ولكن الظواهر منها ظاهر حرفي ، ابتدائي ، تصوري ، فهو ليس بحجة أبداً ، ومنها ظاهر جملي تصديقي استمراري ، وهو الحجة قطعاً ، فإذا قلت : رأيت أسداً في الحمام ، فالظهور الإبتدائي التصوري الحرفي للفظ الأسد هو الحيوان المفترس ، ويقابله الظهور التصديقي الجملي الاستمراري وهو الرجل الشجاع ، وهؤلاء الذين يضلون العوام يغترون بالقسم الأول من الظاهر ، دون الثاني. وإذا قال المحققون : ظواهر الكتاب والسنة حجة لا يصح العدول عنها ولا يجوز لأحد تأويلها ، يريدون الظهورات التصديقية الّتي تنعقد للكلام بعد الإمعان في القرائن المتصلة أو المنفصلة ، ولكن من يتبع الظواهر الحرفية فقد ضل ، وغفل عن أن كلام العرب والبلغاء والفصحاء مليء بالمجازات والكنايات.
وحصيلة البحث أن الجمود على الظواهر عبارة عن الجمود على ظواهرها الحرفيةو ولا شك أنه يجر إلى الكفر أحياناً ، فمن جمد على ظاهر قوله سبحانه : ( ليس كمثله شيء ) يجب عليه أن يقول : إنّ للّه مثلا وليس كهذا المثل شيء ، كما أنّ التأويل ضلال ، والمراد منه هو العدول عن الظواهر
__________________
١ ـ نقض المنطق ص ١١٩ ، كما في كتاب « ابن تيمية » لمحمد أبي زهرة.
٢ ـ فرقان القرآن ص ٩٨.