وقوله تعالى : ( أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) قيل : معناه في تلاوته ؛ وقيل : في فكرته ، على سبيل الخاطر ، وأيّ الأمرين كان فلا عار في ذلك على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا نقص ، وإنّما العار والنقص على من يطيع الشيطان ويتبع ما يدعو إليه.
وليس لأحد أن يقول : هذا إن سلم لكم في جميع الآيات لم يسلم في قوله تعالى : ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ ) لأنّه قد خبّر عن تأثير غوايته ووسوسته بما كان منهما من الفعل ، وذلك أنّ المعنى الصحيح في هذه الآية أنّ آدم وحوّاء كانا مندوبين إلى اجتناب الشجرة وترك التناول منها ، ولم يكن ذلك عليهما واجباً لازماً ، لأنّ الأنبياء لا يُخلّون بالواجب ، فوسوس لهما الشيطان حتى تناولا من الشجرة ، فتركا مندوباً إليه ، وحرما بذلك أنفسهما الثواب ، وسمّاه إزلالاً لأنّه حطٌّ لهما عن درجة الثواب وفعل الأفضل.
وقوله تعالى في موضع آخر : ( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) (١) لا ينافي هذا المعنى ، لأنّ المعصية قد يُسمّى بها من أخل بالواجب والندب معاً ، قوله : « فغوى » أي خاب من حيث لم يستحق الثواب على ما نُدب إليه.
على أنّ صاحب الكتاب يقول : إنّ هذه المعصية من آدم كانت صغيرة لا يستحق بها عقاباً ولا ذماً ، فعلى مذهبه أيضاً تكون المفارقة بينه وبين أبي بكر ظاهرةً ، لأنّ أبا بكر خبّر عن نفسه أنّ الشيطان يعتريه حتى يؤثّر في الأشعار والأبشار ، ويأتي ما يستحق به التقويم ، فأين هذا من ذنب صغير لا ذمّ ولا عقاب عليه ، وهو يجري من وجه من الوجوه مجرى المباح ، لأنّه لا يؤثر في أحوال فاعله وحط رتبته.
وليس يجوز أن يكون ذلك منه على سبيل الخشية والإشفاق على ما ظنّ ، لأنّ مفهوم خطابه يقتضي خلاف ذلك ، ألا ترى أنّه قال : « إنّ لي شيطاناً يعتريني » ، وهذا قول من قد عرف عادته ، ولو كان على سبيل الإشفاق والخوف لخرج عن هذا المخرج ، ولكان يقول : فإنّي لا آمن من كذا وإنّي لمشفق منه.
فأمّا ترك أمير المؤمنين عليهالسلام مخاصمة الناس في حقوقه فكأنّه إنّما كان تنزهاً وتكرّماً ؛ وأي نسبة بين ذلك وبين من صرّح وشهد على نفسه بما لا يليق بالأئمة !
_____________________
١ ـ طه : ١٢١.