فأمّا قوله : ولا يصحّ أنّها دفنت ليلاً ، وإن صحّ فقد دُفن فلان وفلان ليلاً ؛ فقد بيّنا أنّ دفنها ليلاً في الصحّة أظهر من الشمس ، وأنّ مُنكر ذلك كالدافع للمشاهدات ، ولم يجعل دفنها ليلاً بمجرده هو الحُجة ليقال : لقد دُفن فلان وفلان ليلاً ، بل يقع الاحتجاج بذلك على ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة الّتي هي كالتواتر ؛ أنّها أوصت بأن تدفن ليلاً حتى لا يصلّي الرجلان عليها ، وصرّحت بذلك وعهدت فيه عهداً بعد أن كانا استأذنا عليها في مرضها ليعوداها ، فأبت أن تأذن لهما ، فلما طالت عليهما المدافعة رَغِبا إلى أمير المؤمنين عليهالسلام في أن يستأذن لهما ، وجعلاها حاجةً إليه ، وكلّمها عليهالسلام في ذلك ، وألحّ عليها ، فأذنت لهما في الدخول ، ثمّ أعرضت عنهما عند دخولهما ولم تكلمهما ، فلمّا خرجا قالت لأمير المؤمنين عليهالسلام : « هل صنعت ما أردت » ؟ قال : « نعم » ، قالت : « فهل أنت صانع ما آمرك به » ؟ قال : « نعم » ، قالت : « فإنّي أنشدك الله إلّا يُصلّيا على جنازتي ، ولا يقوما على قبري » !
وروى أنّه عَفَّى قبرها وعلّم عليه ، ورشّ أربعين قبراً في البقيع ، ولم يرشّ قبرها حتى لا يُهتدى إليه ، وأنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها ، وإحضارهما الصلاة عليها ، فمن هاهنا احتججنا بالدّفن ليلاً ، ولو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدّم عليه وما تأخّر عنه ، لم يكن فيه حجة.
وأما حكايته عن أبي عليّ إنكار ضرب الرجل لها ، وقوله : إنّ جعفر بن محمّد وأباه وجدّه كانوا يتولّونهما ، فكيف لا ينكر أبو عليّ ذلك ، واعتقاده فيهما اعتقاده ! وقد كنّا نظنّ أنّ مخالفينا يقتنعون أن ينسبوا إلى أئمتنا الكفّ عن القوم والإمساك ، وما ظننّا أنّهم يحملون أنفسهم على أن يُنسبُوا إليهم الثناء والوَلاء.
وقد علم كل أحد أنّ
أصحاب هؤلاء السادة المختصّين بهم ، قد رووا عنهم ضدّ ما روى شعبة بن الحجّاج وفلان وفلان ، وقولهم : هما أوّل من ظلمنا حقّنا ،