العادة جاريةٌ فيها أن تستعمل من جهة الكنى ، ولهذا يقال : هذا بيت فلان ومسكنه ، ولا يراد بذلك المِلك ، وقد قال تعالى : ( لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) (١) ، ولا شبهة في أنّه تعالى أراد منازل الرجال الّتي يُسكِنون فيها زوجاتهم ، ولم يرد بهذه الإضافة الملك.
فأما ما رواه من أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قسم حجره على نسائه وبناته ، فمن أين له إذا كان الخبر صحيحاً أنّ هذه القسمة على وجه التمليك دون الإسكان والإنزال ! ولو كان قد ملّكهنّ ذلك لوجب أن يكون ظاهراً مشهوراً.
فأما الوجه في ترك أمير المؤمنين لما صار الأمر إليه في يده منازعة الأزواج في هذه الحجر فهو ما تقدّم وتكرّر.
وأما قوله : إنّ أبا بكر هو الّذي صلّى على فاطمة وكبّر أربعاً ، وإنّ كثيراً من الفقهاء يستدلّون به في التكبير على الميّت ـ وهو شيء ما سُمِع إلّا منه ، وإن كان تلقّاه عن غيره ـ فممّن يجري مجراه في العصبية (٢) ، وإلّا فالروايات المشهورة
_____________________
١ ـ الطلاق : ١.
٢ ـ روى ابن عدي في الكامل ٤ : ٢٥٨ ، نقلاً عن موطأ مالك قال : أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال : ( توفيت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلاً ، فجاء أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعيد وجماعة كثيرة سماهم مالك فقال أبو بكر لعليّ : تقدم فصلّ عليها ، قال : لا والله لا تقدمت وأنت خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : فتقدم أبو بكر فصلى عليها فكبّر عليها أربعاً ودفنها ليلاً ).
أقول : ولم أقف على الخبر في الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي المطبوع بشرح السيوطي المسمى تنوير الحوالك ، كما قد خلت النسخة الناقصة المطبوعة بتونس برواية ابن زياد ، ولم يذكره ابن عبد البر في كتابه التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، وقد ذكر في ج ١ : ٣١٦ ، ما ورد في الموطأ من حديث جعفر بن محمد وقال : لمالك عن جعفر بن محمد في الموطأ من حديث النبي صلىاللهعليهوسلم تسعة أحاديث منها خمسة متصلة أصلها حديث واحد وهو حديث جابر الطويل في الحج ، والأربعة منقطعة تتصل من غير رواية مالك من وجوه ... ولم يشر إلى رواية مالك عن جعفر بن محمد على ما هو موقوف عليه.